تفسير قوله تعالى: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض)
قال الله جلت قدرته: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ [لقمان: ٢٠].
لا نزال مع ربنا جل جلاله وهو يعلمنا من حكمة لقمان، ومن مواعظه، وما تخلل ذلك من آيات الله وبيناته، فمن ذلك قوله تعالى: (ألم تروا) والرؤية هنا المقصود بها رؤية القلب، التي تساعد على التدبر والتمعن.
﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ [لقمان: ٢٠] أي: يا أيها الخلق! ويا أيها الناس! من مؤمنين وكافرين، (ألم تروا).
والاستفهام في الآية استفهام تقريري للبيان والتأكيد، أي: ألم تروا هذه السماوات السبع العلا، وهذه الأرضين السبع، وأن الله سخر ما فيها لكم، فسخر الأمطار لتنبت ما في الأرض والقمر والشمس يشعان على الناس وعلى النبات والأشجار، وسخر لكم الأجواء فأنتم تطيرون من إقليم إلى إقليم، ومن قارة إلى قارة، فتقطعون الأجواء، وتقطعون القارات من مكان إلى مكان، وسخر لكم الأرض بنبتها وزرعها وشجرها ومياهها وبحارها ودوابها، فكل ذلك مذلل ومسخر لك أيها الإنسان! ألا يكفيك ذلك دلالة على ربك، وعلى قدرته ووحدانيته وجلاله جل جلاله وعز مقامه؟! ألا يحملك ذلك على شكر الله آناء الله وأطراف النهار.
قوله: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: ٢٠]، أي: أن الله جل جلاله أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة بمعنى أنه أتمها، ومنه إسباغ الوضوء، أي إتمامه أركاناً وأعضاءً واجبات ووسنناً.
وكذلك أسبغ الله عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، فالظاهرة نراها، والباطنة نحس بها ونشعر بها، تلك التي سخرها لنا في السماوات والأرض، وسخر لنا ما عليها وما بينها على أن نعم الله لا تحصى، ألا يدعونا ذلك إلى شكر الله وحمده؟ وألا يدلنا ذلك على أن الله جل جلاله هو الواحد القادر على ذلك، ولا أحد غيره؟ قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ﴾ [لقمان: ٢٠]، أي: مع كل هذا يوجد من الناس من يجادل في ربه، ويقول القول بغير دليل ولا برهان، ولذا قال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ [لقمان: ٢٠] أي: يجادل في ربه جاهلاً، لا علم عنده، سواء كان علم دنيا أو علم آخرة، فيجادل في الله بلا هدى، فهو لم يكن مؤمناً ولا مهدياً وإنما ضلاله وظلماته هي التي أوحت له أن يقول ما قال، وأن يجادل بما يجادل.
فلا كتاب عنده يوضح الحقائق وينير البصائر، ويبعده عن الباطل، فالذين يجادلون في الله -وما أكثرهم- يجادلون في علم الله وقدرة الله ووحدانية الله، وهم مع ذلك في جهل وظلام وكفر، وفي إصرار على الجهل والباطل، ومعنى هذا أن الله جل جلاله يحذرنا ويعلمنا ألا نفعل ذلك، وإلا كنا من الضالين المبعدين، وكنا ممن يرى ولا يبصر، ويسمع ولا يدرك، وممن لا يعي بقلب ولا بفهم ولا بإدراك.