تفسير قوله تعالى: (نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ)
قال تعالى: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [لقمان: ٢٤].
وهذا التمتع القليل هو هذه الحياة الفانية، ومهما عاش فهي متعة قليلة، ولو عاش عمر نوح، فأين نوح وأين عمره؟ وأين الألف سنة والنيف التي عاشها، فقد مضى بعدها الآلاف والآلاف من القرون، وقد انتهى وكأنه لم يكن، وقد سبق أن قلنا: إنه عندما جاءه ملك الموت وسأله: كيف ترى حياتك هذه الطويلة؟ قال: كرجل له دار لها بابان، دخل عندما عاش من باب، ثم خرج عند الموت من الباب الآخر، وليس أكثر من ذلك.
فمتعة الحياة التي يعيشها الإنسان قليلة مهما عاش منعماً، ومهما عاش في عز وسلطان وصحة وخدم وحشم وجاه ومال، فإن بعد ذلك الموت والقبر، فمن التراب أتينا وإلى التراب نصير، وهي متعة بين ذلك لا تكاد تذكر.
وقد شبه ﷺ الدنيا كلها كمسافر آذاه حر الشمس فاستظل تحت ظل شجرة، حتى إذا زالت الشمس أخذ طريقه وذهب في سبيله، هكذا الدنيا كلها.
وهكذا عندما يبعث الكفار الضالون يوم القيامة، ويسألون: ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ [الكهف: ١٩] فيجيبون: ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [الكهف: ١٩] فيحسبون الدنيا كلها بما مضى فيها من القرون كيوم أو كبعض يوم.
قوله: ﴿ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [لقمان: ٢٤]، يضطرهم أي: يكرههم ويدعوهم بالضرورة إلى العذاب الغليظ، وإلى العذاب المؤلم الذي لا يطاق وإلى العذاب المهين الموجع، وهي جهنم، أعاذنا الله من حرها وعذابها.