معنى قوله تعالى: (بل هو الحق من ربك لتنذر قوماً)
قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ [السجدة: ٣] أي: أعرض عن قولهم وأضرب عنه، ولذا يقولون: (بل) حرف إضراب، أي: عودة ورجوع عن القول، فدع هراءهم وأكاذيبهم (بل هو الحق من ربك) بل هو الحق، وجاء بالحق، وجاء من الحق، بل هو الكلام الموحى به، بل هو كلام الله الذي لا شك فيه ولا ريب ولا ميل.
قال تعالى: ﴿لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [السجدة: ٣] أي: أنزلنا إليك هذا الكتاب لتنذر وتخوف وتوعد قوماً لم يأتهم قبلك نذير، أي: نبي ولا رسول، (لتنذر قوماً) أي: لتنذر العرب أولاً ثم لتنذر العالم، وقد انتهت نبوة الأنبياء قبله؛ لأن الأنبياء السابقين كانوا أنبياء لأقوامهم فحسب، وبعد رفع عيسى عليه السلام بقي العالم كله في فترة لا نبي له فيها ولا رسول؛ إذ الرسل السابقون كانوا رسلاً لبني إسرائيل، وكانوا رسلاً مدة حياتهم، فانتهت نبوآتهم في أقوامهم، وانتهت نبوآتهم بموتهم، ولذلك انفرد نبينا عليه الصلاة والسلام من بينهم بأن كانت نبوءته في حياته وبعد مماته وإلى يوم القيامة، وبأن نبوءته للأبيض والأسمر والأحمر، وفي المشارق والمغارب منذ ظهر في الديار المقدسة وقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨]، فلزم البشر كلهم بجميع لغاتهم ومللهم وألوانهم وأوطانهم وأعصرهم أن يؤمنوا بالله واحداً وبمحمد عبداً ورسولاً وخاتماً للرسل صلى الله عليه وعلى آله.
يقول تعالى: ﴿لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [السجدة: ٣]، فكانت الرسالة أولاً لهم، كما قال تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤] ثم أمر بأن ينذر الناس كلهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي) وذكر من الخمس أن الأنبياء السابقين أرسلوا إلى أقوامهم خاصة وأرسل هو إلى الناس كافة، وقال: (ولو كان موسى حياً لما وسعه إلا أن يتبعني)، وعيسى سينزل في آخر الزمان وهو على شريعة محمد ﷺ ومن مات على الفطرة فإنه لا يعذب ولا يحاسب، يقول تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]، فإذا لم تكن بعثة فلا عذاب، ولا يعذب الله إلا بعد أن يبين للناس ما نزل إليهم، وما يجتنبون، وما يفعلون، وما يقولون، وما يدعون.