معنى قوله تعالى: (ثم استوى على العرش)
قال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [السجدة: ٤] قالوا: (ثم) ليست للترتيب، ولكن معناها الواو، أي: واستوى على العرش أما الاستواء فلا نقول فيه إلا ما قاله سلفنا الصالح وأئمتنا رضوان الله عليهم؛ إذ القرآن نزل بلغة العرب، واللغة العربية وسعت كل شيء في الكلام، ولكن الحقائق الأزلية الإلهية تعجز عن جمعها جميع لغات الأرض.
سئل الإمام مالك رضي الله عنه فقيل له: يا أبا عبد الله! ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] ما معنى استوى؟ فأطرق ملياً ثم رفع رأسه فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة، يا شرطي خذ بهذا إلى خارج المسجد؛ لأنه اعتبر سؤاله بدعة، فالصحابة ما كانوا يسألون مثل هذه الأسئلة؛ لأن الجواب عنها لا يمكن أن تجمعه كلمة ولا لغة، فكلمة (استوى) كيفيتها؟ الله أعلم بها، ولذلك قال له: الاستواء كما في لغة العرب معلوم، والكيف مجهول، فمن اعتقد تكييفه كفر، ولذلك قال: والكيف مجهول، فكيفية ذلك لا يعلمها إلا الله، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فلا يشبه الله أحد من خلقه.
ولذلك يقول علماؤنا: تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله.
فالعقول لا تقبل ذلك ولا يمكن أن تتصوره، فإن حاولت أشركت وضلت وكفرت، وقد حاول النصارى أن يفعلوا ذلك، فتصوروا إلههم إنساناً صلبوه وتغلبوا عليه، فضاعت عقولهم وانحرف دينهم.
وعلماء الكلام المتأخرون يؤولون، فيقولون: الاستواء الاستيلاء، وهذا تحريف للكلام عن مواضعه؛ لأن (استوى) لغة ليس بمعنى (استولى)، ثم إن معنى استولى أنه كان بينه وبين غيره نزاع فتغلب فانتصر فاستولى، ولا يقول بهذا مسلم، فقول السلف في هذا أحكم وأسلم وأقرب إلى ما يريده الله جل جلاله، ولم نكلف بسوى ذلك، ومن هنا قال مالك: السؤال عن هذا بدعة، وأمر شرطياً في المسجد بأن يخرج ذلك السائل من المسجد حتى لا يؤذي الناس بضلالاته وجهالاته.


الصفحة التالية
Icon