تفسير قوله تعالى: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم)
قال تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [السجدة: ١١].
أي: قل -يا رسولنا- لهؤلاء: نحن خلقناهم، ونحن سنميتهم، ونحن سنبعثهم تارة أخرى.
وقوله تعالى: ﴿مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُم﴾ [السجدة: ١١].
هو الذي جعله الله جندياً عبداً مكلفاً بذلك، كما كلف رسل البشر بتبليغ الناس كتاب الله، ودين الله، وما يصلحهم في الدنيا وما ينجيهم في الآخرة.
وأرسل رسوله من الملائكة لقبض الأرواح، وهذا لحياة الأجنة، وهذا للمطر، وهذا للتراب، وهذا للبحار، كلٌ مكلف، وكل موكل بأمر يقوم به، والفاعل لكل ذلك هو الله جل جلاله.
فقوله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السجدة: ١١].
أي: قل -يا رسولنا- سيتوفاكم ملك الموت، يقال: توفى كذا، أي: استوفى عدده.
والعدد هنا الأجل المسمى الذي خلق الله الإنسان عليه، فلكل منا أجل مسمى عند الله، وإن كنا لا نعلمه: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ [لقمان: ٣٤].
فلا نعلم ما يأتي غداً، ولكننا نرجو خيره، ونعوذ بالله من ضرره، فلا يعلم ذلك إلا الله جل جلاله.
فالملك المكلف بالموت يتوفاكم، فيستوفي الأجل الذي ضرب لكم، والله هو الذي يعلمه.
يقول تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ [السجدة: ١١] أي: يميتكم ﴿الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السجدة: ١١]، فقد جعله الله وكيلاً مكلفاً بقبض الأرواح.
والملك المكلف الذي يعتبر رئيساً في قبض الأرواح سمي في بعض الآثار (عزرائيل)، وتعني كلمة عزرائيل (عبد الله)، ومعه ملائكة وجند لا يحصي عددهم إلا الله، هم تحت أمره وتصرفه، يأمره الله جل جلاله بالقبض، فيأمر جنده فيعاونونه على ذلك.
ولذلك فلا حاجة إلى استغراب كونه واحداً، ويقبض في اليوم الواحد أرواح عشرات الآلاف من الخلق.
وكذلك الملك المكلف بنفخ الروح في الجنين في رحم أمه، فليس هو واحداً، بل هو ملك مكلف، وله جند وأعوان.
فهناك جند وأعوان تحت تصرف ملك الموت، يقبضون الأرواح بأمر الله، والله هو القابض في الحقيقة، فهو المحيي وهو المميت، وإنما وكل بذلك ملك الموت ومن معه من جند ومن أعوان.