تفسير قوله تعالى: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم)
قال الله جل جلاله عن عباده الصالحين: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧].
ذكر الله جل جلاله الذين إذا ذكروا بآيات ربهم خروا سجداً، ثم سبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون، كما أنهم يتهجدون ليلاً، فيتركون مضاجعهم وراحتهم ونساءهم، ويدعون ربهم خوفاً وطمعاً، ومما رزقهم ربهم ينفقون.
فهؤلاء المؤمنون القانتون المتهجدون ليلاً والناس نيام يقول الله عنهم: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧].
فالضمير يرجع إلى أولئك الموقنين المؤمنين العابدين القانتين الصالحين المستجيبين لله ولرسوله، فهؤلاء لا تعلم نفس.
﴿مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧] والنكرة تدل على العموم.
فأخفى الله لهم ما تقر به عيونهم، وتسر به نفوسهم، وتفرح له أرواحهم، فيجدون في الجنة سعادة لا شقاء بعدها أبدا.
والقرة أصلها من البرد والاطمئنان، والعين إذا بردت دل ذلك على أنها في سرور وأنها في راحة، فإذا حزنت تجدها في حر وتجدها في اكتئاب، فأصبحت هذه الكلمة في لغة العرب تعني السرور، وتعني الطمأنينة، وتعني الفرح بما يريد الإنسان وتطمئن له نفسه.
قال تعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧].
أي أن الله أخفى لهم ذلك، ولم يظهره ليفاجئهم برحمته وبرضاه، كما أخفوا هم قيامهم ليلاً والناس نيام، فلم ير عبادتهم أحد، فأخفوا هذه العبادة عن الناس، فأخفى الله جل جلاله ما أعد لهم من خير وأعد لهم من رحمة وأعد لهم من نعيم دائم جزاء أعمالهم وطاعتهم.
قال تعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧].
أي: جوزوا بذلك وكوفئوا به لعملهم وعبادتهم وطاعتهم.
فالله تعالى يحض المؤمنين على أن يعملوا عملهم، ويجتهدوا اجتهادهم، ويتهجدوا تهجدهم، ويحمدوا ربهم حمدهم.