تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين)
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الأحزاب: ١].
سورة الأحزاب سورة مدنية.
وفيها ثلاث وسبعون آية، وسميت بسورة الأحزاب لأن فيها قصة غزوة الأحزاب الذين جاءوا من شتى أقاليم جزيرة العرب لحرب رسول الله عليه الصلاة والسلام والمسلمين.
تألبت قريش وغطفان من خارج المدينة واليهود من داخل المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءوا إلى عقر دار المسلمين يظنون أنهم سيقضون على الإسلام ونبي الإسلام وأهل الإسلام، فخابوا وخاب ظنهم، وعادوا بخفي حنين أذلاء مقهورين.
وتسمى غزوة الخندق، والخندق: هو الحفرة، وبعد أن علم رسول الله ﷺ أن القبائل تحزبت عليه من كل جانب جاء سلمان إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (يا رسول الله! كان الفرس إذا حدث لهم مثل هذا يخندقون على أنفسهم، ويحفرون حفراً تحول بين وصول الأعداء وبينهم، فهلا حفرنا مثلهم وخندقنا مثلهم، فقبل ﷺ هذا الرأي، وأمر المهاجرين والأنصار بحفر الخندق، فحفر الخندق)، وحيل بين هؤلاء الأحزاب وبين دخولهم المدينة المنورة.
واشتملت هذه الغزوة على غزوة بني قريظة، إذ هؤلاء غدروا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وألبوا عليه أعداءه، وحاولوا أن يحاربوه من الداخل.
وقد نصر الله نبيه ﷺ والمؤمنين نصراً عزيزاً مؤزراً كما سنرى تفصيل ذلك.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) من كرامة نبينا ﷺ على الله أن أكثر ما يدعوه بالنبي والرسول، بخلاف ما كان يدعو الأنبياء قبله، فهو يقول: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وأنبياء بني إسرائيل، فإذا كان الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: (يا أيها النبي)، (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)، (يا أيها الرسول)، وهكذا دواليك، وقد نبه على ذلك الشيخ ابن تيمية بأبين وأفصح عبارة كما في كتابه القيم الذي يعتبر الأول بين كتبه: (الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وعلى آله).
وقوله: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ)) أي: هو نداء مفرد مبني على الضم ينادى به الواحد، والهاء للتنبيه، يعني: يا هذا، والنبي نعت لهذا النداء، أي: يا هذا المنادى، أو يا أيها المدعو، أو يا نبي الله.
وقوله: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ)) يأمر الله عبده ونبيه وإمام أنبيائه بالتقوى، وكون النبي ﷺ يؤمر بالتقوى هو تنبيه بالأعلى على الأدنى، إذا كان النبي المعصوم ﷺ الذي لا يعصي يؤمر بتقوى الله وطاعته فكيف بالعصاة مثلنا؟ وكيف بغير المعصومين مثلنا؟ فذلك نداء للنبي المعصوم صلى الله عليه وسلم، وهو للناس كلهم بأن يتقوا الله، وأن يعبدوا الله ويوحدوه.
والتقوى: هي طاعة الله على نور من الله يرجو رضا الله، والتقوى: هي أن يطيع الإنسان ربه بفعل أوامره وترك نواهيه على نور من ربه، وعلى برهان ودليل، لا أن يطيعه بالهوى، ولا بالخواطر، ولا بالفلسفات الباردة، ولكنه يطيع الله على نور من الله، كما يريد ربنا عز وجل ويرضى.
وأن تكون الطاعة ابتغاء رضوان الله، ورجاءٍ رحمة الله، لا لمجرد الهوى والعادة.
والتقوى من الوقاية، وهي أن يجعل المؤمن وقاية بينه وبين عذاب ربه، وبين غضب ربه، وبين ما لا يرضي ربه، فالله جل جلاله يدعونا إلى طاعته وإلى البعد عن معصيته؛ ليكرمنا برضاه وبالجنان خالدين مخلدين فيها.
وقوله: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ)).
يعني: يا نبي الله، اتق الله طاعة، واتق الله رضاء، واتق الله بعداً عن المخالفة، وإياك أن تطيع الكافر في قوله أو فعله، وأن تطيع المنافق في قوله أو فعله، هذا أمر للأعلى تنبيهاً للأدنى، فهو أمر للنبي الله المعصوم ﷺ الذي لا يعصي الله ما أمره، وهذا فيه تنبيه العصاة غير المعصومين من عموم الناس، أي: يا أيها الناس تبعاً لنبيكم وما أمر به رسولكم اتقوا الله ولا تطيعوا الكافرين بالله، ولا تطيعوا المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام كذباً وزوراً، ويخفون معصية الله، ويخفون الكفر بالله، فهؤلاء المنافقون إياكم وإياهم، وهؤلاء الكافرون إياكم وإياهم.