الأحكام المستنبطة من قوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
هذه الآية الكريمة فيها أحكام لا بد من القيام بها والعمل لها وهي من صلب الإسلام، وهذه الأحكام هي: أولاً: كون النبي ﷺ أولى بنا من أنفسنا أمراً ونهياً، وتحليلاً وتحريماً.
ثانياً: كون زوجات النبي عليه الصلاة والسلام هن أمهات المؤمنين رجالاً ونساء، فبالنسبة للنساء هي أمومة محبة وتقدير وتعظيم، وبالنسبة للرجال كذلك مع تحريم الزواج منهن ألبتة، احتراماً لمكانة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك لا يجوز الخلوة بهن، ولا يجوز الكلام كفاحاً مواجهة، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣]، وقال سبحانه: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: ٣٢] أي: لا تخضع الأم من أمهات المؤمنين بالقول اللطيف اللين للرجال من المؤمنين.
والتحدث بغير لين ولا تكسر في القول هو أمر لجميع الأجنبيات مع الرجال، ويزداد ذلك ويتأكد من زوجات النبي عليه الصلاة والسلام مع عموم المؤمنين.
وقالت امرأة لـ عائشة: يا أماه، أي: يا أمي، فقالت لها السيدة عائشة: لست لك بأم إنما أنا أم الرجال، وهو رأي لـ عائشة ورأي لجماعة من الصحابة والتابعين والأئمة، ولكن عموم الآية يدل على أن الأمومة هي أمومة الاحترام والتقدير، وهي تعم الرجال والنساء، بدليل القراءة التي هي خارجة عن السبع: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم) فالأبوة أبوة احترام وتقدير، كالأمومة أمومة احترام وتقدير، وعدم الزواج للتقدير والاحترام ولحفظ مكانة النبي عليه الصلاة والسلام.
ثالثاً: تجوز الوصية والمنحة والعطية للأباعد من المؤمنين، والذي لا يجوز هو التوارث فقط، ولا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، بل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الثلث والثلث كثير).
وعندما أراد سعد بن أبي وقاص أن يوصي بجميع ماله، وكان إذ ذاك مريضاً يظن الموت، ولم يكن له وارث إلا ابنة له، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام: (أأوصي بجميع مالي؟ قال: لا، فإن كان لا بد فالثلث والثلث كثير، لأن تترك أولادك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس).
وفي هذا إشارة إلى أن سعداً لن يموت إلا وله أولاد وورثة، وكان الأمر كذلك، وكان هذا الخبر لـ سعد من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام، ومن الإخبار بالغيب.
رابعاً: أن عدم التوارث إلا بالقرابات والأرحام هو ما كان في الكتاب المحفوظ، وهو الذي كان مسطوراً ومكتوباً، وهو الأصل، وإنما أبيح التوارث بالأخوة لوقت خاص لحكمة ظاهرة، وهي أن الذين آمنوا كانوا قلة في الصدر الأول، وكان أكثر أقربائهم وأرحامهم لم يسلموا، ولا توارث بين مؤمن وكافر، فالمال سيبقى بلا وارث، إذ الورثة من الأنصار أو المهاجرين أكثرهم لم يؤمنوا بعد، وأكثرهم لا يزالون على دين الكفر، فالله جل جلاله أذن بالتوارث بالإيمان وأذن بالتوارث بالأخوة الدينية، وكان ذلك موقوتاً إلا أن أصبح الأقارب والأرحام مؤمنين كبقية مورثيهم ووارثيهم.


الصفحة التالية
Icon