تفسير قوله تعالى: (ليسأل الصادقين عن صدقهم)
قال الله تعالى: ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٨].
أي: أخذ العهود المؤكدة المغلظة؛ ليكون ذلك سبباً لسؤال الأنبياء والرسل عما بلغوه وعمن بلغوه، من آمن ممن بلغوه ومن كفر.
فقوله: ((لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ)) أي: ليسأل الأنبياء الصادقين الذين لا يعصون الله ما أمرهم عن صدقهم الذي أرسلوا به، وعن الرسالات والشرائع.
وما الحكمة من سؤال الله جل جلاله لأنبيائه وهو يعلم صدقهم ويعلم تبليغهم؟ أقول: الحكمة من ذلك ظاهرة إذ كذبهم الكثير من أتباعهم وممن أرسلوا إليهم، فعندما يسألون ويجيبون بما أرسلهم الله به يكون ذلك تبكيتاً لهؤلاء الكفرة من الأتباع الذين كذبوا، والذين لم يصدقوا، والذين أبوا إلا الجحود والكفران.
وقد فسرت الآية: ((لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ)) أي: ليسأل الأتباع من المؤمنين: هل صدقوا الله ما وعدوه عندما آمنوا وأسلموا؟ هل صدقوا الرسل وما جاءوا به؟ هل بلغوا ذلك بدورهم؟ وفي الحديث: (والعلماء ورثة الأنبياء).
وفي آخر: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع).
والآية تشمل أن الله يسأل الرسل والأنبياء تبكيتاً لمن كذبهم ولم يؤمن بهم، ويسأل المؤمنين من الأتباع زيادة في الإحسان إليهم، وأن من آمن فله الجنة والرضا والرحمة، ومن لم يؤمن فله الجحيم واللعنة والغضب.
وقوله: ﴿وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٨]، أي: أعد للكافرين الذين كفروا بالرسالات وجحدوها، ولم يعملوا بما جاء به الأنبياء، أعد الله لهم يوم القيامة العذاب الأليم.
وقد يكون العذاب الأليم في الدنيا والآخرة، في الدنيا عذاب الأسر والعقوبة، والأمراض، والقحط، والذل والغلبة والقهر، ويوم القيامة أشد وأنكى من دخول النار ولعنة الله وغضبه الدائم.
إذاً: هؤلاء الذين لم يؤمنوا بالرسالات التي أرسلوا بها فإن الله يعد لهم ويهيئ لهم العذاب الأليم في الدنيا بما شاء، وفي الآخرة العذاب الأليم الخالد الدائم، ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ٥٦].