حكم الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم
اختلف العلماء هنا هل الأسوة بالنبي عليه الصلاة والسلام فرض واجب في الحلال والحرام والآداب وشئون الدنيا والآخرة؟ فقال علماؤنا: الأسوة برسول الله عليه الصلاة والسلام واجب من الواجبات وركن من الأركان، فينبغي أن نرى كيف صلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فتكون صلاتنا كصلاته أركاناً وواجبات، وسنناً، وآداباً، وأوقاتاً، فالتأسي به في ذلك واجب وحق، حتى إذا اختلفنا في آية أو في حديث، أو في مفهومهما، كان المرجع في تحقيق ذلك الأسوة المحمدية النبوية.
من باب المثال: نحن نتوضأ في الليل والنهار مرات، ومع ذلك هذا الرأس الذي نمسحه عند كل وضوء اختلف الأئمة الأربعة فيه هل الواجب مسح جميع الرأس أو ربعه أو بعض شعرات منه؟ قال الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد: يكفي مسح بعض الرأس.
وقال مالك منفرداً من بين الأربعة: يجب مسح جميع الرأس، واستدل بقوله تعالى في الآية الكريمة: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦]، وقال: الباء للإلصاق، يعني: أمر الله أن نلصق أيدينا برءوسنا جميعاً.
وقال الأئمة الثلاثة: الباء للتبعيض، أي: امسحوا بعض الرأس، والآية الكريمة تحتمل التبعيض والإلصاق، وما احتمل واحتمل سقط به البرهان والاستدلال، فما المرجع؟ يقول بعض علماء الأصول: عندما يختلف في فهم النص ويحتمل نرجع إلى الأسوة والقدوة ﷺ فننظر كيف قال، وكيف فهم، وكيف نفذ ذلك القول، والنبي عليه الصلاة والسلام توضأ مرات بعدد أيام سنينه منذ نبئ وهو ابن أربعين سنة، إلى أن ذهب إلى الرفيق الأعلى وهو ابن ثلاث وستين سنة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فماذا كان يفعل؟ أجمع الفقهاء على أنه كان يمسح جميع رأسه إلا في صورة حكيت: أنه كان به وجع في الرأس من شدة برد المدينة، فعندما حاول مسح جميع الرأس أمال العمامة قليلاً ومسح على الناصية، وأتم المسح على العمامة، فالجمهور قالوا: إنه بهذا الفعل يكون قد مسح بعض الرأس.
فقيل لهؤلاء: إن كان هذا الفهم صحيحاً فما باله مسح على العمامة؟ أي: مادام مسح الناصية كافياً فلم مسح على العمامة؟ فهو لم يمسح عليها إلا وقد اعتبرها نابت عن مسح جميع الرأس، وذلك دليل الإمام مالك، وهو الحق، أعني أن مسح جميع الرأس فرض واجب، وأن الباء للإلصاق؛ لأن فعل النبي ﷺ لم يتجاوز ذلك.


الصفحة التالية
Icon