تفسير قوله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)
قال الله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٣].
لا يزال ربنا يشيد بأحوال الصادقين من المؤمنين الثابتين الراسخين.
قوله: (من المؤمنين).
(من) للتبعيض، أي: من المؤمنين بالله وبرسوله (رجال) مؤمنون صادقون.
وقوله: (صدقوا ما عاهدوا الله عليه).
أي: عاهدوا الله وأعطوه من أنفسهم ذمتها وعهدها والثبات في دين الله، والطاعة لكتابه، والطاعة لرسوله، والاقتداء به صلى الله وعليه وسلم.
فهؤلاء المؤمنون عاهدوا الله على الوفاء، وعلى الثبات، وعلى الإخلاص ما داموا أحياءً.
وقوله: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ).
أي: من هؤلاء من قضى نذره، ووفى بعهده واستشهد في سبيل الله، عاهد الله ووفى بعهده، وآمن وصدق في إيمانه، وقاتل وثبت في قتاله، وابتلي في نفسه وفي ماله وفي أرضه فثبت في كل ذلك ثبوت الجبال الرواسخ، فمن هؤلاء الصادقين من قضى نحبه، والنحب: قيل: النذر، وقيل: العهد، وقيل: الحياة والموت، وكل ذلك صحيح، فهؤلاء قد وفوا نذورهم، ووفوا عهودهم وعهودهم بالصدق والثبات، وجاهدوا في سبيل إعلاء كلمة الله، حتى استشهدوا في سبيل الله.
وممن قضى نحبه حمزة بن عبد المطلب عم النبي عليه الصلاة والسلام، ومنهم مصعب بن عمير وغيرهما ممن استشهد في أحد وغيرها.
فجميع الصحابة تحملوا الشدائد والرزايا والبلايا في سبيل الله، ومن أجل إعلاء كلمة الله، فكل هؤلاء ممن صدقوا الله ما عاهدوه، وقضوا نحبهم وعهودهم إلى أن استشهدوا في سبيل الله، ومنهم من بقي على عهده إلى أن مات.