تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين)
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٨].
نلاحظ في القرآن الكريم وفي هذه السورة أن الله خص خاتم أنبيائه ﷺ بأنه لا يناديه باسمه وإنما يقول عنه: يا رسول الله، يا نبي الله، وفي أول هذه السورة قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ١].
وهنا يناديه ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ﴾ [الأحزاب: ٢٨]، وسيقول بعد ذلك: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: ٣٠]، وما ذلك إلا لمنزلته ولمقامه ولقدره عند الله جل جلاله، فهو سيد الأنبياء وإمامهم وسيد جميع الخلق من ملائكة وبشر.
قد يبدو لأول مرة أن الآيات الآتية ابتداء من هذه الآية لا مناسبة بينها وبين غزوة الخندق أو الأحزاب، فنقول: إن مناسبة الآية مع الغزوة ظاهرة، وهي: أن الغزوة قائمة والرسول بين إذاية المنافقين والمشركين واليهود، وإذا بالنساء يجتمعن حوله ويقلن: يا رسول الله نريد ذهباً، نريد قصوراً، نريد نفقة، نريد رفاهية.
وهذا من الأذى للرسول صلى الله عليه وسلم، وقلن: هؤلاء نساء الملوك من الروم والفرس يتنعمن ونحن في حالة من البؤس لا تليق بنساء الملوك، وكأنهن يتحدثن عن ملك لا عن نبي ورسول وجاء في الحديث: (أن الله تعالى خير النبي عليه الصلاة والسلام بين أن يكون نبياً ملكاً أو نبياً عبداً، فأشار إليه جبريل أن تواضع، فقال: اللهم نبياً عبداً)، وكان بذلك سيد الملوك، وكانت الملوك يشرفها أن تمسح أقدام النبي ﷺ وأن تنفض الغبار عن نعاله، وكان ﷺ لا يهاب الملوك، ومن هم حتى يهابهم صلى الله عليه وسلم؟ بل هم الذين يهابونه ويرتعدون بين يديه، ومع ذلك فقد قاد الجيوش وساد في الأرض، وبلغت جيوشه المشارق والمغارب، إلى أقصى المغرب في ديار أوروبا، وأقصى الشرق كالهند والصين.