تفسير قوله تعالى: (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين)
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب: ٣١].
أي: يا نساء النبي! من عاشت منكن مطيعة لربها ومطيعة لزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عاملة للصالح من الأعمال، نؤتها أجرها مرتين.
وطاعة الله طاعته في كتابه، وطاعة رسول الله طاعته في سنته، وفعل الصالح القيام بالأركان وما يتعلق بها من واجبات وسنن وآداب ومستحبات.
والواجب لا يترك بحال أبداً، والسنة مأجور فاعلها، قد يعاتب تاركها إن تركها ألبتة، والمستحبات زيادة نوافل، والإحسان: هو الرتبة العليا كما في حديث جبريل الذي رواه عمر وغيره عندما سئل رسول الله ﷺ عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان، فقال: (الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، ومن يعبد الله يره بعين القلب والبصيرة: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد عندما يرى نفسه وخلقه يرى الله في ذلك، ويقول: كيف خلقني ربي؟ من الذي يستطيع أن يخلق مثل هذا الخلق الناطق الناظر السامع المتحرك العاقل المدرك؟ عندما يريد الضالون أن يصنعوا تماثيل من أحجار أو أخشاب أو من أي شيء تجد أنهم بعد أن يصنعوها يتباهون بعملهم، وأن فلاناً مبدع؛ لأنه صنع هذه الصورة الجميلة، ولكن مع ذلك قل له: دعها تنطق أو تتحرك أو تعقل، ومن صنع ما حرمه الله عليه فسيقال له يوم القيامة: أحي ما صنعت؟ ولن يفعل، وأين ذاك من خلق الله، عندما يخلق إنساناً أو حيواناً أو أي شيء، كيف ترى حركات هذا المخلوق ووعيه وإدراكه، من الذي يستطيع أن يفعل ذلك سوى الله جل جلاله؟! فأمهات المؤمنين يحضهن الله على فعل الخيرات وأعلاها، فيقول: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا﴾ [الأحزاب: ٣١] وفعل الصالحات وفعل الإحسان يأتي من المحسنات، قال سبحانه: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٩].
والمحسنات هن القائمات بالإسلام حركات وأركاناً وعبادة وواجبات، والقائمات بالإيمان تصديقاً قلبياً لا شائبة شك فيه، والقائمات بالإحسان اللاتي يعبدن الله كأنهن يرينه، فإن لم يصلن لهذه الدرجة فليعبدنه وهن يعلمن أنه يراهن، ومن عبد الله هكذا تجده على غاية ما يكون من الخشوع ومن السكون ومن الحضور ومن الفكر فيما يتلو ويقرأ، وهو على غاية ما يكون من الهيبة والأدب مع الله.
﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا﴾ [الأحزاب: ٣١] (من): اسم موصول يطلق على المفرد المذكر والمؤنث، وعلى المثنى المذكر والمؤنث، وعلى جمع الذكور والإناث، فتقول: من جاء من الرجال؟ من جاء من النساء؟ وهكذا هنا.
فقوله: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا﴾ [الأحزاب: ٣١] أي: من أطاعت الله ورسوله وعملت الصالح، فإن الله أعد للمحسنات منهن أجراً عظيما.
وقوله: ﴿نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب: ٣١].
أي: يؤتيها الله أجرها مرتين: أجر الدنيا ببقائها زوجة في عصمة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأجر كونها قدوة للمؤمنات والمؤمنين بسماعها لرسول الله ولحكمته، وبسماعها للآيات المنزلة عليه صلى الله عليه وعلى آله.
وأجرها يوم القيامة في الدار الآخرة بجعلها في أعلى مقام مع النبي ﷺ في الفردوس الأعلى، وأي أجر وأي ثواب أعظم من أن يكن مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في الفردوس الأعلى.


الصفحة التالية
Icon