تفسير قوله تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول)
قال الله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: ٣٢].
قوله: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: ٣٢]: يخاطب الله جل جلاله نبيه بالنبوة والرسالة، فإذا كان الله يقول ذلك ويتكلم بذلك جل جلاله مع رسوله ﷺ فنحن من باب أولى، والله سبحانه يعلمنا بذلك ويؤدبنا، فمن ينطق ويتكلم عن رسول ويقول: قال محمد وذهب محمد فقد خالف نهج القرآن وفعل الله جل جلاله في كتابه، والأدب الذي يجب أن يكون مع الرسول، والصواب أن يقول: قال رسول الله، ونطق نبي الله، وسمعت رسول الله، ورويت عن نبي الله، وذلك الله جل جلاله مع ألوهيته وعبودية عبده محمد رسول الله ﷺ فإنه يخاطبه بالنبوة ويدعوه بالرسالة، ويتكلم عن نسائه بمثل ذلك: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: ٣٢]، أي: يا نساء النبي درجتكن وفضلكن ومقامكن ليس كأحد من النساء.
وأحد أبلغ من إحدى، وأحد يدخل على المذكر والمؤنث، وإحدى لا تدخل إلا على المؤنث.
وقوله: ﴿إِنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٢].
أي: ويا نساء النبي أنتن في درجات لا يوازيكن فيها أحد من نساء العالمين، فأنتن أفضل الخلق بعد الرسل والأنبياء، وأنتن في أعلى الدرجات، وأنتن في رفقة نبيه ﷺ يوم القيامة في الفردوس الأعلى، وكنتن في الدنيا معه صباحاً مساءً، تسمعن ما يتلى عليه وتسمعن ما ينطق به من الحكمة.
ومن فضلهن على الله وكرامتهن في أنفسهن أنهن جميعاً اتقين الله، ولم يأتين بفاحشة لا مبينه ولا غير مبنية، وهن عندما اتقين الله استحققن باستمرار أن يكن أمهات للمؤمنين، وأن تذكر الواحدة منهن بالرضا، كأن نقول: عائشة رضي الله عنها، وأم سلمة رضي الله عنها، وحفصة رضي الله عنها، وهكذا لا يذكرن إلا بالتبجيل والاحترام والترضي، وبأنهن أعلى طبقات النساء في الأرض.
فقوله: ﴿إِنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٢] علق الله ذلك الفضل بالشرط، والشرط التقوى، والتقوى هي القيام بالحلال وترك الحرام، والتقوى هي الإيمان بالله وبرسوله، وطاعة الله وطاعة رسوله، وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن كن على هذا المنوال وعلى هذا المنهج تقى وصلاحاً، فقد قمن بالشرط خير قيام؛ لأنهن سيدات نساء المسلمين على الإطلاق والشمول والاستغراق.
ثم أخذ الله يعلمهن الأدب، ويعلمهن ما يكن به القدوة والأسوة للناس جميعاً، إذ هن أمهات المؤمنين، فقال الله لهن: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾ [الأحزاب: ٣٢].
والخضوع بالقول: هو اللين فيه وتكسيره وترقيقه، فالله منعهن من ذلك ألبتة، وألا يكون ذلك إلا لزوجهن أو محارمهن المحرمية الدائمة كالأب أو الابن أو الأخ أو العم، أما المحرمية المعلقة على المصاهرة غير الدائمة فليست بهذه الدرجة.
فقوله: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾ [الأحزاب: ٣٢] أي: لا تتكلمن بلين مع الأجانب ولا برقيق الكلام، وهذا أمر لهن وهو أمر لجميع المسلمات.
وقد أذن الله لهن بعد حجبهن في الكلام من وراء حجاب، فقال ربنا لنا: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣] والسؤال يحتاج إلى جواب.
وقال لهن هنا: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾ [الأحزاب: ٣٢] لم؟ ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: ٣٢] أي: الناس ليسو سواء؛ لأن القلب المريض الفاجر إذا سمع الأنثى تتكسر في قولها وتلين وتترقق فيه قد يدعوه ذلك إلى الطمع وإلى الغزل وإلى ما لا يليق.
فكون هذا تأديباً لأمهات المؤمنين هو في الحقيقة تأديب لمن يأتي بعدهن ولمن عاصرهن من نساء المؤمنين، فالمرأة يحرم عليها تحريماً باتاً أن تتحدث مع الأجانب متكسرة في قولها لينة في كلامها، وهذا يعتبر فجوراً وفساداً وقد حرمه الله جل جلاله، فتكون المرأة بترقيقها كأنها عرضت نفسها على شهوات الفجار وعلى نزوات الفساق وعلى أمراض القلوب.
وقوله: ﴿وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: ٣٢].
القول المعروف: هو ما عرفه الله وما عرفه رسوله عليه الصلاة والسلام وعرفته الآداب العامة الإسلامية، لا ما عرفه ما يسمى بالحضارة الزائفة، وما يسمى بالأخلاق الكاذبة، وما يسمى بالأدب الاجتماعي حتى ولو كان فاسداً، وحتى ولو كان فاحشة وفحشاً، ولذلك قيد وقال: ﴿وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: ٣٢] أي: قلن القول الذي يعرفه القرآن وتعرفه السنة وتقره، ويعرفه المسلم المتدين ويقره.