من أسرار تعدد زوجات الرسول ﷺ وكثرتهن
من أسرار تعدد زوجات رسول الله ﷺ إلى تسع وإلى ما ملكت أيمانه بغير عد ولا حصر يتبين مما يلي: كأن من عادة الرؤساء والقادة والزعماء قديماً وحديثاً أن يكون لهم وجه أمام الناس ووجه داخل بيوتهم، يكونون مزدوجي شخصية، ولا يليق هذا بنبي، بل ولا يليق بخاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليهم جميعاً، فكانت أمهات المؤمنين زيادة على كونهن زوجات للرسول ﷺ وأمهات للمؤمنين، كن رقباء على سيرة رسول الله ﷺ الداخلية، فعندما رويناها عنهن وجدنا النبي عليه الصلاة والسلام ظاهره كباطنه، ما يعلنه يبطنه، وما يبطنه يعلنه، هو في تقوى من الله، وطاعة لله، وأمر بمعروف ونهي عن المنكر، أمام الناس في خارج بيته، وأمام نسائه في داخل بيته، في حضره وسفره، لم يتغير ظاهر عن باطن، ولم يتبدل باطن عن ظاهر، من الذي بلغنا ذلك، وما حكمة كون أمهات المؤمنين تسع نساء؟
ﷺ مهما كتمن عنه، ومهما سترن عنه فلا بد أن تقول واحدة أو اثنتان ما يمكن أن يعد عيباً أو نقصاً، ولكن العيب والنقص لا يوجد، فقد أكرم الله ظاهره كما أكرم باطنه، وكانت سيرته سيرة عطرة تصلح للأئمة المسلمين علماء وقادة ورؤساء.
ويجب أن تكون السيرة النبوية هي القدوة الحسنة لأئمة الاجتهاد، كما يجب أن تكون القدوة للأب وللأم وللولد وللسيدة وللخادم وللكل.
فالنبي عليه الصلاة والسلام كان إماماً نعم الإمام، وكان زوجاً نعم الزوج، وكان أباً نعم الأب، وكان جداً نعم الجد، وكان براً رحيماً رءوفاً، وكان لطيفاً بأصحابه، حريصاً على هدايتهم، عزيزاً عليه خروجهم عن أمر الله وطاعة الله، حريصاً على أن يكونوا جميعاً مؤمنين، قال الله تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٣].
من الأدلة القاطعة والبراهين التي لا ينكرها عقل سليم أن النبي عليه الصلاة والسلام منذ ظهر في هذه البقاع المقدسة وهو يأمر الناس بأنه رسول الله المتكلم عن الله، المبلغ لرسالات الله، منذ أمر أن ينذر أقربائه: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤]، إلى أن أمر أن يأمر الناس جميعاً: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨]، لمدة ثلاث وعشرين سنة إلى أن ذهب إلى الرفيق الأعلى، وهو عليه الصلاة والسلام في ليله ونهاره، في حضره وسفره، في حربه وسلمه، بين نسائه وأصحابه، بين أصدقائه وأعدائه، كان الإمام وكان النبي الذي لم يتغير ظاهره عن باطنه.
ومن هنا فحق أن يجعله الله مثالاً أعلى عندما يقول للمؤمنين: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١]، فهو القدوة والأسوة في أعمالنا الظاهرة وأعمالنا الباطنة، أعمالنا الأبوية، وأعمالنا الزوجية، وأعمالنا القضائية، وأعمالنا العسكرية، وأعمالنا الإخوانية، وأعمالنا مع الصديق والعدو.
هذا إذا أكرم المؤمن بأن يجعل رسول الله ﷺ أسوته الظاهرة والباطنة، وأن يجعله وحده ﷺ الآمر الناهي، والمقتدى به في الحلال والحرام، في الآداب والأركان، وفي جميع أعمال الحياة إلى أن يلقى الله.


الصفحة التالية
Icon