إبطال الروايات الإسرائيلية في معنى قوله تعالى: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)
هناك خزعبلات وأقاويل ما أنزل الله بها من سلطان، هي إسرائيليات رويت عن اليهود، والقصد منها التعرض لمقام النبوة وشتم النبي عليه الصلاة والسلام، كعادتهم مع أنبيائهم عندما حرفوا التوراة وحرفوا الإنجيل فملئوهما شتائم وقذفاً في رسلهم، بما لا يفعله المؤمن منا أبداً؛ لأن الأنبياء عندنا مقدسون محترمون، ومن يسب نبياً فهو كمن سب جميع الأنبياء، وجزاؤه القتل، وقد يوصله ذلك إلى الكفر والردة.
وذكر ذلك في غير ما تفسير على عادة الكثيرين من المفسرين، ولكن العالم المفسر المربي يجب أن يختار مما يرويه من الكتب وما يهمله، لقد قال عليه الصلاة والسلام: (ناقل الكذب أحد الكاذبين)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع).
فكثيراً ما نسمع ضلالات وقذفاً في صالحين، كما حدث ممن قذف عائشة أكرمها الله وبرأها من فوق سبع سماوات فجلدوا حد القذف، وهؤلاء قالوا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولولا أني أعلم أن هذا ذكر في الكثير من التفاسير لما ذكرته، ولعل بعضكم سمعه أو اطلع عليه فكان لا بد هنا من نفيه النفي القاطع؛ قالوا: طرق النبي عليه الصلاة والسلام باب زيد، وإذا به يرى زوجه زينب فكبرت في صدره، وقال: سبحان الله مقلب القلوب.
وزعموا أن زينب سمعت ذلك وشعرت بأنها ملأت قلب النبي عليه الصلاة والسلام، وجاء زيد فبلغته، وإذا بـ زيد يصرف النظر عنها ويأتي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ويقول: أريد فراقها، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (أمسك عليك زوجك واتق الله)، وكان بعد ذلك أن طلقها زيد وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا كذب يكذبه سياق الآية ويكذبه الواقع النبوي؛ لأنه لو أراد نبي الله عليه الصلاة والسلام أن يتزوجها لتزوجها من قبل، فهي ابنة عمته وكانت ترغب فيه، وهي عندما طلبها لمولاه امتنعت كما امتنع أهلها، فما الحاجة بأن يتزوجها زيد ليطلقها بعد ذلك ويتزوجها هو عليه الصلاة والسلام؟! كان يعرفها قبل أن يعرفها زيد أو أن يسمع بها.
وقول الله تعالى: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾ [الأحزاب: ٣٧]، ما الذي أبداه الله؟ أبدى الزواج بها، ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [الأحزاب: ٣٧]، هل زوجناكها لحبك ولغرامك ولرؤيتك لها؟ ﴿لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا﴾ [الأحزاب: ٣٧]، أي: السبب في ذلك لكي يزول هذا الحكم الباطل، وهذه البنوة الباطلة، وهذا الأثر الذي لا يكفي فيه القول، بل لا بد من العمل والتمثيل، وكان لا بد أن يكون هذا من النبي الأسوة الأعظم عليه الصلاة والسلام؛ ليأتسي به أتباعه والمؤمنون من أنصاره والمهاجرين.
فقوله: ((ما الله مبديه))، الذي أبداه الله هو الزواج بها ولم يبد سوى ذلك.
﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ [الأحزاب: ٣٧]، ما الذي خشي واستحيا منه؟ هو الزواج بها؛ لا أنه رآها ولا أنها عظمت في عينه ولا أنه كذا وسياق الآية من البداية إلى النهاية هذا معناه، وهو الذي يتناسب مع المقام النبوي من العصمة النبوية وجلالة رسول الله عليه الصلاة والسلام وتقواه.


الصفحة التالية
Icon