تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً)
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤١].
هذه الآية كالآية السابقة في تعداد المؤمنين والمؤمنات وصفاتهم الصالحة نساء ورجالاً، في ذلك النسق المتسلسل الذي ختمه الله في تلك الآية المطولة بقوله: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥]، وهنا دعا الله المؤمنين وناداهم، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤١]، أي: يا من آمن بالله الواحد وآمن بمحمد خاتم النبيين، ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤١].
وذكر الله يكون باللسان والجنان والأركان، فالصلاة ذكر والصيام ذكر، والحج ذكر، والتفكر والاعتبار بالقلب ذكر، والنطق باللسان ذكر، وهكذا الذكر يكون بكل خلايا الإنسان وبكل حواسه قال عبد الله بن عباس حبر الأمة رضي الله عنهما: إن الله أمر أوامره فجعل لها حدوداً وأوقات، أمر بالحج وحدد له زمناً، وأمر بالصيام وحدد له وقتاً، وأمر بالصلاة وحدد لها أوقاتاً، إلا الذكر فلم يحد له حداً، قال: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: ١٠٣]، أي: اذكروا الله براً وبحراً، واذكروا الله حضراً وسفراً، واذكروا الله في اليقظة وعند النوم، واذكروا الله في الصحة والمرض، واذكروا الله عند الغنى والفقر، واذكروا الله تعالى في الكبر والصغر وفي جميع الأحوال.
فلم يحد له زمناً ولا وقتاً ولا عذر لتاركه، لكن عذر المصلي فأذن له إن عجز أن يصلي جالساً، الحاج إن لم يجد زاداً وراحلة فعذره في تأجيل الحج، وعذر الفطر في الصيام للمريض والحائض والنفساء على أن يؤجلوا ذلك ويرجئوه، أما الذكر لم يعذر فيه أحد إلا من غاب عقله، وإلا فمن عجز باللسان ذكر الله بالقلب، ومن عجز في وقت من الأوقات فالأوقات كثيرة في الحضر والسفر، وعلى ذلك فالذكر يكون في جميع الأحوال.
وتذكر السيرة النبوية العطرة أن النبي ﷺ كان يذكر الله في جميع أحواله، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اذكر الله حتى يقال إنك مجنون) أي: اذكر الله في نفسك واذكر الله في الملأ، واذكر الله سراً وجهراً.


الصفحة التالية
Icon