تفسير قوله تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته)
قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٣].
أي: اذكروا الذكر الكثير وكونوا مؤمنين، مسلمين، صادقين، صابرين، خاشعين، متصدقين، حافظين لفروجكم، ذاكرين الله كثيراً، وكل ذلك للرجال والنساء كما مضى.
فإذا كنتم من الذاكرين الله كثيراً، والمسبحين لله بكرة وأصيلاً، فإنه ينشأ عن ذلك أن يصلي عليكم الله جل جلاله، وأن تصلي عليكم ملائكة الله عليهم سلام الله.
وصلاة الله على عبده ذكره والثناء عليه بين ملائكته، كما في الحديث السابق: (من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه) أي: أثنيت عليه وأشدت بذكره عند الملائكة.
وقيل: الصلاة على العبد الرحمة.
والمعنى واحد، فمن ذكره الله رحمه، ومن رحمه ذكره ولم ينسه، وأي درجة وأي مقام أسمى وأعظم للعبد المؤمن من أن يذكره الله ويثني عليه وأن يرحمه.
وصلاة الملائكة الدعاء والاستغفار للمؤمنين، فالملائكة تستغفر ربها أن يغفر للمؤمنين وأن يعفو عنهم، وأن يرضى عليهم، وأن يرحمهم، وأن يدخلهم الجنان، وأن يبتعد بهم عن النيران، فهذا جزاء الله ومكافأته لكل من أكثر من ذكره صباح مساء، ولكل من ذكره كثيراً في سره وعلانيته مع الناس ووحده، وفي الصحة والمرض، وفي الحضر والسفر، وفي البراري والأجواء والبحار، وفي كل الأحوال، كما كان عليه الصلاة والسلام يذكر الله على كل أحواله.
وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [الأحزاب: ٤٣].
ما صلى الله على عبد إلا ورحمه وأثنى عليه، وإذا رحمه وأثنى عليه أخرجه من ظلمات الكفر والجهل والشرك والشك والريب والضياع إلى نور التوحيد والإسلام والهداية، وإلى نور الحكمة والموعظة والاقتداء برسول الله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٣].
كان رحيماً بمن آمن به إلهاً واحداً رازقاً لا ثاني له في ذات ولا صفات ولا أفعال، ورحيماً بمن آمن بأنبيائه جميعاً وبنبيه وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم.
وإذا رحم الله العبد أخرجه من الظلمات إلى النور وأدخله الجنان، وغفر ذنوبه ورفع درجاته، والله جل جلاله أرحم بعباده من الوالد بولده، ولذلك أسرت امرأة في غزوة من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا بهذه المرأة يراها النبي عليه الصلاة والسلام والأصحاب رضوان الله عليهم ومعها رضيع تأخذه وتضمه إلى صدرها وترضعه وهي وجلة عليه خائفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه تلقي وليدها في النار؟ قالوا: لا، قال: لله أرحم بعباده المؤمنين من هذه بولدها)، والحبيب لا يعذب حبيبه.
إذا رحم الله عبداً أحبه، إذا صلى عليه وأشاد بذكره عند ملائكته فقد أحبه، إذا استغفرت الملائكة للمؤمن فقد أحبته، ومن أحبه الله رحمه، ومن أحبه لا يدخله النار، زعم اليهود والنصارى كما قال ربنا في كتابه: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨]، قال الله لنبيه: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ [المائدة: ١٨].
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الحبيب لا يعذب حبيبه)، أي: لو كانوا أبناءه لكانوا أحبابه، ولو كانوا مؤمنين لأحبهم ولو أحبهم لما عذبهم، ولكنهم في العذاب خالدون، ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨].