تفسير قوله تعالى: (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء)
قال الله تعالى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥١].
قوله: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ).
الإرجاء التأخير، ومعناه: أن الله جل جلاله رفع الضيق والحرج عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأباح له عدم القسم بين نسائه، وأن له أن يختص واحدة بليال وأن يترك واحدة ألبتة، وأن يعطي هذه ولا يعطي هذه، فالأمر له وهو المخير بين كل ذلك.
فقوله: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) أي: تؤخرها ولا تجعل لها نوبة، أو تنام معها قليلاً.
(وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) أي: تضم إليك منهن من تشاء وتقرب.
(ومن ابتغيت عزلت فلا جناح عليك) أي: ومن أردت وطلبت ممن عزلت وأرجأت منهن وشئت أن ترجع إليها مرة أخرى فلا حرج ولا مانع من ذلك.
قال ربنا: ((ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ)) أي: هذا العمل في الإرجاء والتأخير وذلك العمل في أن تضم إليك من شئت ومن ابتغيت ممن أبعدت عندما يعلمن أن هذا أمر الله وأن النبي عليه الصلاة والسلام يفعل ما أمره الله به دون قيد ولا شرط يكون ذلك أقرب لأن تقر أعينهن بأن يكن مسرورات، وقرار العين برودتها، ولا تبرد العين إلا عند السرور والانشراح، أما من سخنت عينه فقد اشتد حزنه، أي: دمعت عينه حتى سخنت.
وقوله: (ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن) أي: لا يدخلهن حزن عندما يعلمن أن هذا أمر الله.
وقوله: (ويرضين بما آتيتهن كلهن) أي: يقبلن ذلك عن رضاً وعن انشراح وارتياح.
وقوله: (والله يعلم ما في قلوبكم) أي: يعلم ما في قلوب العباد من محبة وكراهة، ومن ميل وعدم ميل، ومن طاعة ومخالفة.
وقوله: (وكان الله عليماً حليماً) أي: عليماً بأحوال عباده الظاهرة والباطنة، حليماً بهم، يغفر زلاتهم ويشفق عليهم، ويتوب عليهم إن تابوا وأنابوا.
وهذه الآية لم يفعلها النبي عليه الصلاة والسلام وهي خاصة من خواصه، بل كان يعدل بين نسائه، تفضلاً منه وتكرماً، وكان يبيت كل ليلة عند واحدة، وإذا زار إحداهن نهاراً يمر على الكل ويزورهن، وكان يقسم بينهن بالعدل والسوية، ويقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، أي: في القلب.


الصفحة التالية
Icon