الحكمة من تعدد الإماء بلا حد
قوله: ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٢]، أي: تتبدل، حذفت إحدى التائين للتخفيف أي: أن تستبدل واحدة بواحدة، وأن تطلق واحدة وتتزوج أخرى، فالله حرم عليه ذلك.
وقوله: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾ [الأحزاب: ٥٢] هذا الباب مفتوح؛ إحساناً لهؤلاء الأسرى وضماً لهن، وتحصيناً لهن، وعناية بنفقتهن وبكسوتهن وبسكناهن، ويؤجر من فعل ذلك.
وقد قلت في درس مضى: في الحربين العالميتين اللتين مضتا حصل فيهما كثير من الفضائح ومن الكوارث ومن البلايا، ومن إذلال النساء اللاتي أسرن، فقد عذبن وأذللن وجعن وعرين وبقين مشردات، لا حفظ ولا كرامة ولا رعاية، فالإماء في الإسلام هن تحت سلطاني كبناتي وكأخواتي، بل النبي عليه الصلاة والسلام جعل الرقيق كالإخوة فقال: (إخوانكم خولكم)، أي: خدمكم إخوان لكم.
ثم قال: (أطعموهم مما تطعمون، وألبسوهم مما تلبسون، وإذا كلفتموهم ما لا يطيقون فأعينوهم)، هذا هو الذي قال به دينك، فالله جعل لأمتك من الحق ما لأقاربك، بل أبناء الإماء ملكوا العالم الإسلامي، فدولة بني أمية كان الكثير من خلفائها أبناء الإماء، فأصبحت الأمة ملكة في الدولة على سعتها وسعة أرجائها، وكان ملوك بين العباس أكثرهم أبناء الإماء فملكن وحكمن وكان للأمة أم الخليفة من النفوذ والسلطان أحياناً ما ليس للخليفة نفسه، وكان هذا أيام خلفاء بني عثمان، ويتكرر باستمرار.
وفي هذا العصر حصل الاضطهاد والإذلال والاستعباد للأحرار والحرائر قبل غيرهم، فالغرب حرموا الرقيق أفراداً وأباحوه شعوباً وأمماً، فشعوب العالم الإسلامي اليوم على ما يبدو أنها تحكم أمرها بنفسها، وهي في الحقيقة مستعبدة ومستعمرة استعماراً جديداً.
أزال الله هذا الذل والهوان عن المسلمين، وسحق أعداءهم يهوداً ونصارى ومنافقين.
وقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا﴾ [الأحزاب: ٥٢] أي: يا أمهات المؤمنين ويا أيها المؤمنون: اعلموا أن الله رقيب وشاهد وناظر لكل أعمالنا، فلنحرص على أن تكون أعمالنا أعمالاً ترضي الله، وترضي رسول الله، وأن تكون حسب أمره ونهيه، وأن تكون حسب أمر رسول الله ونهيه، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاتركوه).