تفسير قوله تعالى: (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا)
قال الله تعالى: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا﴾ [الأحزاب: ٦٧] أخذوا يعتذرون وهيهات.
فالله لم يرسل لكم كبراءكم ولم يرسل لكم سادتكم، وإنما أرسل أنبياء ومرسلين وهم الذين أمروكم بطاعته سبحانه، كبراؤكم إنما أكبرتموهم أنتم وليسوا بحال من الأحوال كبراء، بل هم الصغراء، وسادتكم من الذي سودهم عليكم؟ أنتم الذين سودتموهم، وأنتم الذين جعلتموهم أنبياء، بل وألهتموهم دون الله، وأخذتم تطيعونهم كما تطيعون الله، وكما تطيعون أنبياءكم، فكانت النتيجة كما قال الشاعر: ومن يكن الغراب له دليلاً يمر به على جيف الكلاب أي: الذي يتخذ الغراب دليلاً، فإن الغراب لا يذهب به إلا إلى جيف الكلاب، فهذا مثل من يتبع هؤلاء الكبراء والسادة ومن سودوهم على أنفسهم، وجعلوهم زعماءهم وحكامهم وعلماءهم وفلاسفتهم، وهم بهذه الألقاب ليسوا مؤمنين ولا مسلمين.
أما إذا كان الكبراء والسادة مسلمين فهم خلفاء النبي صلى الله عليه وعلى آله في تبليغهم أمر الله وأمر رسوله، كما هي عادة الخلفاء الراشدين وأمثالهم ممن جاء بعدهم.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح فالزعيم والكبير والملك والرئيس من يدعو الناس ويقول: يا أيها الناس اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً يا أيها الناس عليكم بدين الإسلام فهو الدين الحق ولا دين بعده.
يا أيها الناس عليكم بلغة العرب فبها نزل القرآن، وبها نطق سيد العرب والعجم محمد صلى الله عليه وسلم، ولا سبيل إلى تفهم القرآن وتفهم السنة إلا بتعلم لغة العرب، فمن كان غير ذلك فليسوا من السادة والكبراء.
وكم من أناس يسمون أنفسهم بالسادة والكبراء والرؤساء وهم منافقون يدعون المسلمين إلى الجري وراء اليهود والنصارى، فهؤلاء لا دين عندهم ولا ضمير ولا شرف.
فهؤلاء ليسوا هم سادة في حد أنفسهم ولا كبراء، ولكن هؤلاء الناس سودوهم على أنفسهم وجعلوهم كبراءهم، ولذلك يوم القيامة سيتبرءون منهم وهيهات، وسيطلبون من الله -وهم أحقر من أن يطلبوا- عقابهم مرتين.
وقوله: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا﴾ [الأحزاب: ٦٧] أخذوا يقولونها وهم في النار، وعندما كانوا في الحياة ما كانوا يقولونها، كانوا يقولونها عن سادتهم وكبرائهم من المنافقين والكفرة، ممن سموا أنفسهم شيوعيين واشتراكيين وماسونيين ومجددين وتقدميين.
وقوله: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا﴾ [الأحزاب: ٦٧] أي: وهم في النار؛ لأنهم تركوا طاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام وأطاعوا السادة والكبراء، فأضلوهم السبيل والطريق المستقيم، وعوضاً أن يذهبوا إلى طريق الجنة وإلى الصراط المستقيم الذي ليس هو صراط اليهود المغضوب عليهم، ولا صراط النصارى الضالين، ولكنه صراط الله وهو الإسلام الذي جاء به خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام.
أبوا كل ذلك، وقاوموه، وحاربوه ولا يزال هذا ديدنهم في كل عصر كل حسب كفره ووضعه، بل أخذ المسلمون يتركون كتاب الله وسنة رسول الله وجعلوهما وراءهم ظهرياً، وذهبوا إلى وضع قوانين وضعها اليهود والنصارى والمنافقون، عوضاً عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، التي ساد المسلمون بهما في الأرض ألف عام، فعندما تركوهما ذلوا وهانوا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


الصفحة التالية
Icon