تفسير قوله تعالى: (ليعذب الله المنافقين والمنافقات)
قال الله تعالى: ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٣].
لقد حمل الإنسان الأمانة من تلقاء نفسه في الأصل، والله يقول لنا: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] وعبادة الله في معناها الأعم هي الأمانة.
وكلف الله الإنسان بالأمانة وإن عصى من عصى من المنافقين والمنافقات ومن المشركين والمشركات.
والمنافقون والمنافقات هم من تظاهروا بالإسلام وأبطنوا الكفر، والمشركون والمشركات هم من أظهروا الكفر وأبطنوه.
وأمر الله الإنسان بحمل الأمانة؛ ليعذب هؤلاء المنافقين والمشركين بعصيانهم، وينكل بهم لمخالفتهم، وما خلقت النار إلا لأمثالهم؛ لذلك كانت الأمانة أمراً إلهياً للإنسان؛ ليعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات بإيذائهم وبخيانتهم في تحمل الأمانة، وبتعهدهم بحملها ثم تركوها، وهم لم يتركوها جهلاً ولا ظلماً لأنفسهم، ولكنهم تركوها عصياناً وخلافاً لله في أوامره ولرسله في أوامره، وعاشوا كذبةً منافقين يتظاهرون بأنهم مؤمنون وليسوا في الحقيقة كذلك.
والمشركون قد أعلنوا الكفر ظاهراً وباطناً، أظهروه أمام الملأ استهتار وعدم اهتمام.
فالله أمر بالأمانة وإن نافق من نافق في حملها، وأشرك من أشرك في عصيان الآمر بها وهو الله ورسله بأمر الله لهم؛ ليغفر الله للمؤمنين والمؤمنات بحرصهم وبذل جهدهم لتحمل هذه الأمانة طاعةً لربههم وطاعة لنبيهم، فالمؤمنون تحملوا الأمانة بحواسهم بحيث لا يرتكبون إلا ما أذن الله به وأحله.
وليتوب الله عليهم ويغفر ذنوبهم؛ لما تركوا من إذاية الإنسان وظلم إخوانهم المسلمين، فهؤلاء لحملهم للأمانة قدر الله جهدهم، حتى إذا أساءوا استغفروا وأنابوا فتاب الله عليهم وغفر لهم.
وقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٣].
هذا المؤمن الذي تاب تاب الله عليه، وهذه المؤمنة التي تابت تاب الله عليها، والله يغفر الذنوب جميعاً لكل مؤمن تائب، ولكل مؤمنة تائبة، ويرحم ضعفهم وعجزهم وكثرة نسيانهم؛ لقاء توبتهم وإنابتهم وعودتهم إلى الله.
وبهذا نكون بفضل الله وعونه قد ختمنا سورة الأحزاب.


الصفحة التالية
Icon