تفسير قوله تعالى: (قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق)
قال تعالى: ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ [سبأ: ٢٦].
فهم لا يميزون هداية من ضلالة، ولا إيماناً من كفر، فقد ملئوا عقولهم بالخرافات والخزعبلات والأباطيل، فقل لهم: ((يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا)) أي: سيأتي يوم يجمع الله بيننا وبينكم وبين كل الأمم منذ آدم وإلى آخر مخلوق وإنسان في الأرض مؤمناً كان أو كافراً.
قال تعالى: ((ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ)) أي: يقضي جل جلاله بيننا ويرتفع الأمر له، وتنتهي رسالات الرسل ونبوات الأنبياء وتنتهي العبادة بموت الإنسان، وسيكون اليوم الآخر يوم الحكم والحساب، ويوم الوقوف بين يدي الله والعرض عليه، ويكون المآل إما إلى جنة وإما إلى نار.
قوله: ((ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ)) أي: ثم يحكم ويقضي بالحق، وسيعرفنا من المهتدي منا ومن الضال، ومن المؤمن ومن الكافر، وهل المفلح من عبد الأوثان وعاش في حياته مفسداً مرتكباً لأنواع الكبائر، من سفك الدم الحرام، وأكل المال الحرام، وهتك العرض الحرام، أم نحن الذين ملأنا قلوبنا وعقولنا بالله الواحد الرازق المحيي المميت، وقد طهّر الله أيدينا من سفك الدماء إلا بحق، وطهّرنا من الذنوب والمعاصي والكبائر، وطهّرنا من نشر الظلم والفساد، وأكل الأموال بالباطل، وانتهاك الحرمات بالباطل، ونشر الفساد في الأرض ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾ [هود: ٢٤] هيهات هيهات، فلا تستوي الظلمة مع النور، ولا الجهل مع العلم.
فقوله: ((ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ)) أي: يحكم ويقضي بالحق، والله هو الحق وسيقضي بالحق ويحكم به، قال تعالى: ((وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ))، فهو القاضي الحاكم المطلق العليم بما ينفع عباده، والعليم بجرائم المجرمين، والعليم بإحسان المحسنين، فيحكم على المجرم بما يليق به، ويحكم على المحسن بما يليق به، فهذا إلى النار وهذا إلى الجنة، ولا يظن إنسان في الأرض أنه سيفلت من يد الله العادلة وقضائه العادل، فيسفك الدماء ويقول: إن هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع، وما يهلكنا إلا الدهر كما يقول أكثر سكان الأرض ممن أضلهم الله على علم، فما نشروا إلا الفساد والكفران، وما نشروا إلا قطيعة الأرحام وسفك الدماء وهم يسعون في ذلك ليلاً ونهاراً.
((وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ)) أي: هو الحاكم العادل جل جلاله العليم بعباده، فمن أحسن فله الإحسان، ومن أساء فعليه الإساءة، ومن يعمل مثقال ذرة من خير كان له الخير، ومن عمل شراً كان له الشر، قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾ [الزلزلة: ٧ - ٨].