تفسير قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس)
قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: ٢٨].
زعمت طوائف من اليهود في العصر النبوي ويزعم هذا بعض من أضله الله عن علم أو عن جهل بأن النبي لم يُرسل إلا إلى العرب، وأن اليهود لهم نبيهم، وأن النصارى لهم نبيهم، فاتخذوا مع الله آلهة شركاء ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا البلاء أخذ يقوله اليوم من يتزعم ويتحكم في بعض الشعوب الإسلامية، فقد أضله حتى كفر بالله وارتد عن دين الإسلام، فذهب يزعم في كتاب أذاعه ونشره أن النبي لم يرسل إلا إلى الوثنيين، ولم يُرسل إلى اليهود ولا إلى النصارى.
يقول تعالى تأديباً لهؤلاء ممن يعبدون الأوثان قبل وبعد، وممن جعلوا لله شريكاً بلا دليل ولا سلطان من الله: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)).
أي: يا محمد لم نرسلك إلا لكل الخلق ولكل الناس، وهذه الآية هي كما قال الله له وأوحى إليه: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨] وقال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ١]، فهو النبي والرسول للخلق كافة عربهم وعجمهم، أحمرهم وأسودهم، شرقيهم وغربيهم، وهو الذي أُرسل لجميع عوالم عصره والعوالم التي بعده إلى يوم القيامة، فلا نبي ولا رسول بعده، هو خاتم الأنبياء وهو خاتم الرسل صلى الله عليه وعلى آله.
وقد قال عليه الصلاة والسلام كما تواتر عنه من جملة خصائصه: (كان الأنبياء قبلي يُبعثون إلى أقوامهم خاصة وأرسلت إلى الناس كافة) فكان الأنبياء السابقون أنبياء قوميين لم يرسلوا إلا لأقوامهم، وكان نبينا عليه الصلاة والسلام نبي البشرية كلها ونبي العوالم كلها من أدركه في عصره ومن سيأتي بعده إلى يوم النفخ في الصور.
وقال عليه الصلاة والسلام: (بعثت إلى الأحمر والأسود) كل هذا من المعلوم في دين الله بالضرورة، فمن أنكر ذلك بل من تشكك فيه خرج عن الإسلام وأصبح مرتداً.
ولذلك الخلق كلهم من يوم ظهر النبي ﷺ في الديار المقدسة ودعا الناس إلى الإيمان برسالته؛ أصبح كل الخلق منذ تلك اللحظة وإلى يوم القيامة يعتبرون شعوباً وأمماً وعوالم محمدية، ولكن من أجاب واستجاب للرسالة المحمدية كان أمة إجابة، ومن تمرد وأعرض كان أمة متمردة معرضة.
بعد ظهور النبي عليه الصلاة والسلام لم تبق رسالة موسى ولا رسالة عيسى ولا رسالة أي من الأنبياء، فقد كانوا أنبياء في وقت مخصوص ولأقوام بأعيانهم، فلما رُفع عيسى لم يرسل بعده نبي خلال ٦٥٠ عاماً إلى أن أرسل الله محمداً العربي الهاشمي المكي المدني الرسول العام الشامل لكل الخلق، ولم تبق نبوة ولا رسالة بعده، وكل من أنكر ذلك وكل من تشكك في ذلك خرج عن الإسلام بخرافات وأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان، وكل من قال سوى ذلك يكون قد أنكر القرآن الكريم والسنة النبوية والرسالة المحمدية.
قال تعالى: ((وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)): أكثر الناس لا يؤمنون بهذه الحقيقة ولا يعلمونها، ولذلك يقول ربنا لنبينا عليه الصلاة والسلام: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦] وقال تعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ [الواقعة: ١٣ - ١٤] هي قلة ممن آمن قبل، وفئة قليلة ممن آمن بعد.
وسكان الأرض اليوم أربعة مليار نسمة، المسلمون منهم لا يتجاوزون ملياراً، والباقي كلهم بين عبدة عيسى ومريم وعبدة العجل والعزير وعبدة النيران والحيوانات وعبدة ماركس ولينين، وعبدة ما لم ينزل الله به من سلطان من كل من ضل وأضل ولم يقدم لنفسه نفعاً ولا ضراً.
((وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) أنك النبي الهادي لكل البشر، وأنك الرسول الخاتم لكل العوالم لا نبي بعدك ولا رسول، وأنزل عليك القرآن الكريم لتنذر به الناس ومن بلغ، أي: ومن سمع ذلك يجب عليه أن يدين بهذا وإلا كان كافراً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (والله لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي) لو قُدّر وعاش موسى لما وسعه إلا أن يكون تابعاً لمحمد مسلماً ومؤمناً بدينه، وعيسى لا يزال حياً وهو في السماء الدنيا وسينزل في آخر الزمان فيحكم بدين محمد وبالكتاب المنزل على محمد صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك من كتب في تراجم الصحابة ترجم لعيسى على أنه من الصحابة وأنه من أتباع النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الصحابي من آمن برسول الله ورآه في حياته ومات على ذلك، وعيسى اجتمع بنبينا في السماء الدنيا ليلة الإسراء ورحّب به وخاطبه بالرسالة.
وسينزل الأرض ويكون على دين الإسلام فيأتم بأئمة المسلمين في صلاته، وسيحج حج المسلمين في مكة ومنى وعرفات فهو على ذلك صحابي محمدي كما ترجم له الحافظ العسقلاني في الإصابة وأطلق عليه تعريف الصحابي.


الصفحة التالية
Icon