تفسير قوله تعالى: (وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً)
قال تعالى: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ: ٣٥]: من عادة هؤلاء المشركين أن يكونوا سخفاء العقول ضائعي الفهم والإدراك؛ هكذا شأن من نرى من قادة دول الكفر وزعمائهم وفلاسفتهم ومفكّريهم وممن يزعمون العلم والزعامة، فتجدهم في غاية الغباء والبلادة، ويشاهد هذا في خطبهم وفي كلامهم، ولذلك أرادوا أن يستشهدوا على أنهم أهل الحق فقالوا وهم يترفّعون ويتعاظمون على الفقراء والمساكين: ﴿نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ: ٣٥].
أي: نحن أغنى منكم، فنحن أكثر أموالاً منكم، وأكثر أولاداً منكم، وأكثر زعامة وسيادة، وأكثر منصباً، ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ: ٣٥]، فظنوا أنه ما أعطاهم الله هذه الأموال والأولاد في الدنيا إلا لحبه لهم، ولأنهم ذوي منزلة كبيرة، وتبعهم أهل الكتاب فقالوا مثل ذلك، ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] فزعموا أنهم أحباب الله والحبيب لا يعذّب حبيبه، وزعموا أنهم أبناء الله وأنهم من طينة غير طينة البشر، فقال الله لنبيه ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ [المائدة: ١٨].
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب) وفي جانب آخر ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إن لله عباداً لا يصلحهم إلا الغنى، ولو أفقرهم لأفسدهم، وإن لله عباداً لا يصلحهم إلا الفقر، ولو أغناهم لأفسدهم).
وقال: (نعم المال الصالح للرجل الصالح)، والمال الصالح: هو الذي دخل مما أحل الله من العمل والتملك بالوجوه الشرعية التي أذن بها الإسلام.
والرجل الصالح هو الرجل الذي صلحت أعماله وصلحت عقائده، فإذا وقع في يده مال لا يتعالى فيه على الفقراء والمساكين، بل يعطي السائل والمحروم حقوقهم، فينفق على أهل النفقة من زوجة وأولاد وأقارب محتاجين، ويعطي الفقراء حقوقهم من مال الله الذي جعله في يده.
وكما قال عليه الصلاة والسلام: (هلك المكثرون بجمع المال إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا)، أي: هلك الأغنياء المكثرون إلا من تصدق بماله في جميع وجوه الخير عن يمين وشمال، ومن بين يديه ومن خلفه.
وأما من كان جماعاً للحطام من الحسد والحرام واعتبر كل ذلك رزقاً فهيهات هيهات، فيوشك أن يهلك يوماً في حفرة فيأخذون ماله ويقتسمونه، ويتخذون زوجته زوجة لهم، ويعذب هو بما جمع من حرام، وهم إن علموا الحرام شاركوا بالمثل، وإن لم يعلموا فقد ورثوه عن حلال في ظنهم.


الصفحة التالية
Icon