تفسير قوله تعالى: (وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك)
قال الله عز وجل: ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ [فاطر: ٤].
يقول الله لنبيه مسلياً ومعزياً، وقد كفر به من كفر، وصد عن دينه من صد، وجابهه من جابهه من الكفار المعاندين، والمنافقين المفسدين: ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [فاطر: ٤]، أي: إن يكذبك هؤلاء من أهل مكة والمدينة، ومن أرض جزيرة العرب وغيرها من بلاد العرب والعجم فليس ذلك خاصاً بك فالصالحون قليل، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦].
وقال سبحانه: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ [الواقعة: ١٣ - ١٤].
هكذا كان الأنبياء قبلك، آمنت بهم قلة وكفرت بهم كثرة، فعاقب الله هذه الكثرة في الدنيا والآخرة، فأغرق بعضهم وزلزل ببعضهم الأرض، وبعضهم أسقط عليه رجماً من السماء، وبعضهم جرده ومكر به، وهكذا كانت عاقبة كل كافر وجاحد وصاد عن الله ومكذب لرسله وكتبه ورسالاته.
﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [فاطر: ٤]، فقد كذب نوح وكذب إبراهيم ومن جاء بعده إلى عيسى عليهم السلام، وما آمن معهم إلا قليل.
قوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ [فاطر: ٤].
فأمور الخلق كافة عائدة إلى الله يوم القيامة، يوم البعث والنشور، فمن جاء مؤمناً بالله ورسله فله من الله الجنة والرضا، ومن جاء كافراً بالله ورسله فله من الله الغضب والنار خالداً فيها أبداً، فقوله: (وإلى الله ترجع الأمور)، هو تهديد ووعيد لهؤلاء الذين كذبوا نبينا عليه الصلاة والسلام، وكذبوا غيره من الأنبياء السابقين، وما عادوا إلى الله، أن الله هو يفصل بينهم يوم القضاء والحساب إما إلى نار وإما إلى جنة.


الصفحة التالية
Icon