تفسير قوله تعالى: (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجاً)
قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [فاطر: ١١].
يخاطب الله تعالى الذين كفروا به أو عصوه: ألم تتذكروا كيف كنتم؟ ومن أين جئتم؟ كنتم عدماً ونحن الذين أوجدناكم من تراب، كان الأب الأول آدم من تراب، فهذا الذي يريد أن يظلم الخلق ويتعالى على الناس ويقول: أنا ربكم الأعلى، يجب أن يتذكر أنه خلق من تراب يدوسه الناس بنعالهم.
وهذا الذي من تراب يجب أن يكون دائماً متواضعاً لله، ولعباد الله المؤمنين، وألا يتعالى ويتعاظم على الله ولا على خلق الله، ولا يظلم الناس، وليعرف أن أصله من تراب.
وقوله: ﴿ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ [فاطر: ١١]، أي: من ماء مهين، من نطفة تخرج من مخرج البول، ودخلت مدخل البول، وبقيت في قرار مكين بين البول وما يتعلق بالبول، هكذا خلقة الإنسان، فلم التعاظم؟ ولم التكبر على الله وعلى عباد الله؟ ولم تقول: أنا ربكم الأعلى؟! وقوله: ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [فاطر: ١١]، أي: بعد النطفة جعل الله ذكراً وأنثى، وزاوج بين الذكر والأنثى، فكان الخلق بعد التراب، وبعد خلق حواء من ضلع آدم، جعل من آدم نطفة، ومن رحم حواء قراراً مكيناً، وهكذا وقع التزاوج ذكراً وأنثى إلى يوم القيامة، ولم يفرد بغير ذلك إلا آدم وعيسى فقد خلق آدم من تراب، وعيسى من أم بلا أب: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩].