تفسير قوله تعالى: (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد)
قال تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [فاطر: ١٦ - ١٧]، نداء إلى هؤلاء الطغاة، المتألون على الله من يهود ونصارى ومشركين ووثنيين وكفاراً: اعلموا أن لو يشاء الله أن يذهبكم ويأتي بخلق جديد لفعل ولا راد لإرادته سبحانه، فلو شاء الله لأذهبهم وقضى عليهم وأفناهم وأتى بخلق جديد، والله يفعل هذا باستمرار، وإلا فأين آباؤنا وإن وجد من هم في أسنانهم؟ وأين أجدادنا؟ أين الدول السابقة؟ أين الملوك السابقون؟ أجيال انتهت وأتى الله بأجيال جديدة، وهذا يحدث باستمرار إلى يوم النفخ في الصور، قد كنا يوماً أجنة في بطون أمهاتنا، ثم أصبحنا أطفالاً، ثم شباباً وسيأتي يوم لا أحد منا موجود، أين من كان يحضر بيت الله الحرام منذ ١٤٠٠ عام؟ أين رسول الله نفسه عليه الصلاة والسلام؟ أين أصحابه وتابعوه؟ أين الأئمة المجتهدون من السلف الصالحين؟ وأين غير الصالحين؟ أين كل أولئك؟ ذهب الكل وفني! الكل مات وأتى الله بخلق جديد لم يكونوا موجودين، ذهب الأوائل بمؤمنيهم وكفارهم، فهم بين يدي ربهم ينتظرون الحساب، ثم إما إلى جنة وإما إلى نار.
﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [فاطر: ١٦]، الجواب محذوف تقديره: فعل، والمعنى: إن يشأ الله أن يذهبنا فعل وأتى بخلق جديد، وقد يكون المعنى أعم من ذلك: إن يشأ الله أن ينهي هذا النوع البشري بالمرة فهو قادر على أن يأتي بخلق من نوع جديد، الله أعلم بشكله ونوعه، ولا شك أنه قد كان قبلنا خلق آخر، ولا شك أن الأفلاك فيها سكان من غيرنا قد أشار الله إليهم في كتابه فقال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا﴾ [الشورى: ٢٩]، الأفلاك العلوية والأفلاك السفلية، ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى: ٢٩]، ولا يقال عن الملائكة: دابة؛ لأن الملائكة ذوو أجنحة مثنى وثلاث ورباع، وإنما الدابة: من يدب على وجه الأرض، ففي الأفلاك العلوية خلق من خلق الله تدب كما ندب، وهل تدب على رجلين أم على أربع أم على واحدة؟ الله وحده العليم بذلك، (وهو على جمعهم)، وأعاد الضمير بجمع العقلاء: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى: ٢٩]، أي: إذا شاء الجمع بين دواب السماء وبين دواب الأرض فعل، ولغة العرب تقول: إن (إذا) إذا دخلت على الماضي حولته مضارعاً، وإذا دخلت على المضارع حولته ماضياً، فقوله: (وهو على جمعهم إذا يشاء) أي: إذا شاء، ومعناه: قد شاء وسبق هذا في علمه وسيكون يوماً، وهي الإشارة لمن يبحثون عنه في هذه الأيام، وهناك آثار ضعيفة ولكن المحدثين أجمعوا على أن الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة إذا جاء زمن وحقت وصحت كان ذلك دليل على أن النبي قد قالها عليه الصلاة والسلام؛ لأن الكذبة والفجرة مهما كذبوا فلن يستطيعوا يوماً أن يقولوا ما سيكون بالفعل، بل ذلك لا يكون إلا للموحى إليه نبينا عليه الصلاة والسلام.
والمحدثون عندما يقولون: فلان كاذب فلان خاطئ فلان واه، فإنما يعنون أنه كثر وهمه وكذبه، وعلى ذلك تركوا روايته، ولاحتمال أن يكون الصدق كذباً تركوا الرواية كلها، على أن الصدوق قد يكذب والكذوب قد يصدق يوماً، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ أبي هريرة عن الشيطان في قصته المشهورة معه: (صدقك وهو كذوب)، وقد أخبر سبحانه وتعالى بأن إبليس صدق في ظنه من أن الكفرة سيتركون يوماً دينهم فيتركون ربهم ويلهيهم الشيطان ويفسدهم، فكان ظنه وتوهمه في هؤلاء صدقاً.
ولذلك وردت أحاديث أن في الأرضين وفي الأفلاك نبي كنبيكم وشريعة كشريعتكم والأحاديث في ذلك لم تصح ولكن الآية تشير إلى أن هناك دواباً في الأفلاك العلوية كما في الأفلاك السفلية.
قوله تعالى: ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [فاطر: ١٧]، وما ذلك بصعب على الله، إذ لا يصعب عليه شيء الكل عليه هين، وإنما يقول للشيء كن فيكون.