تفسير قوله تعالى: (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما)
قال تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا﴾ [يس: ١٣ - ١٤].
أي: جاءهم المرسلون الثلاثة، وابتدأ الله الإرسال برسولين: ((فَكَذَّبُوهُمَا))، قالوا: أنتما لستما نبيين، بل أنتما تكذبان، فعزز الاثنين بثالث مؤازرة لهما، وقال الثلاثة: ((إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ))، أي: أرسلنا الله إليكم، ومن هنا تعلم أنهم مرسلون من الله، ولا شك أنهم كانوا قبل عيسى، فبعد عيسى لم يرسل نبي ولا رسول إلا نبينا عليه الصلاة والسلام.
فقوله: ((فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ))، أي: فقواهما وأيدهما وساندهما ربنا بثالث من الأنبياء، ولم يخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن أسمائهم، ولذلك فمن العقيدة أن نؤمن بالأنبياء الذين سماهم الله في القرآن بأعيانهم، وأن نؤمن بسوى ذلك إجمالاً، فنقول: لله أنبياء وهم فلان وفلان، ولله أنبياء لم يذكروا، فنحن نؤمن بهم إجمالاً كما ذكرهم القرآن، ولا نتزيد عن ربنا، ولا نتزيد عن رسولنا صلى الله عليه وسلم.
قال الرسل الثلاثة: ((إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ))، أي: قالوا لأهل القرية: أرسلنا إليكم لندعوكم إلى الله؛ لتتركوا الأوثان وعبادتها ولتتقوا الله وتتوبوا إليه، فأجاب هؤلاء وقالوا: ((مَا أَنْتُمْ))، أي: لستم أنتم: ((إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا))، أي: ليس لكم أي ميزة علينا ((وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ))، وهكذا كذبوا الثلاثة دفعة واحدة، ولم يؤمن بهم أحد إلا واحد، سيأتي الكلام عليه في نص الآية.
قال تعالى: ﴿قَالُوا﴾ [يس: ١٦] أي: قال الرسل، ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ١٦] أي: هو الذي أرسلنا، وأكدوا ذلك مقسمين، ولذلك فإن اللام يقال عنها: موطئة للقسم، فكأنهم قالوا: نقسم بالله إننا لرسل الله إليكم، وهو الذي أرسلنا لا سواه.
وقالوا أيضاً: ﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [يس: ١٧]، أي: ليس علينا هدايتكم، والهداية ليست وظيفة للأنبياء، إنما وظيفة الأنبياء التبليغ، فقد بلغناكم، وهكذا أمروهم بعبادة الله وبترك عبادة الأوثان، فإذا بهم يسجنونهم، ويعذبونهم، ويمكرون بهم، وطال هذا سنوات ولم يؤمن أحد منهم.
فقوله: ﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [يس: ١٧].
أي: الواضح البين، وقد بينوه ووضحوه.