تفسير قوله تعالى: (ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم)
قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٦٧].
قوله: (وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ) أي: غيروا خلقاً غير الخلق، وشوهوا من صورة بشرية إنسانية سليمة كبقية الناس إلى جمادات أو إلى قردة وخنازير، كل هذا فعله الله وعاقب به بعض الأمم السابقة، ولكن أرسل بعد ذلك نبينا محمداً خاتم الأنبياء وجعله رحمة للعالمين، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧].
وكما قال النبي ﷺ عن نفسه: (إنما أنا رحمة مهداة)، فلم يعد هذا الذي كان يصنعه الله بالأمم السابقة يصنعه بالأمة المحمدية؛ تكرمة لمحمد صلى الله عليه وعلى آله، وإرجاءً لهذا الكافر الجاحد عسى أن يعود يوماً فيقول: ربي الله، ونبيي محمد رسول الله، فإذا مات ولم يفعل، فإنه يعاقب، لا فرق بين أمة سابقة ولا بين أمة لاحقة.
ولو شاء الله لمسخهم قردة وخنازير، ولو شاء الله لجعلهم مشوهين أو جعلهم جمادات لا تتحرك ولا تمشي، ولا تتقدم ولا تتأخر.
وقوله: (عَلَى مَكَانَتِهِمْ) أي: على حالهم من قيام أو قعود أو نوم أو يقظة.
وقوله: (فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ): أي: لا يستطيعون أن يمضوا متقدمين في المشي ولا رجوعاً، ولو فعلوا ذلك إن كانوا جمادات فلا يستطيعون، وإن كانوا قردة وخنازير فماذا عسى أن يفعلوه.
وقوله: (لو) هو حرف امتناع لامتناع، وهو لم يفعل جل جلاله ليزيدهم حجة، فلو كانوا عمياً لا يبصرون، أو كانوا حجارة أو قردة أو حيوانات لم يكلفوا، ومع ذلك لو كانوا حيوانات لكانوا يذكرون الله على أي حال، قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: ٤٤].
فالإنسان الكافر أقبح من الحيوان ومن الجماد، فالجماد يذكر الله، والحيوان يذكر الله بلغته التي لا يفهمها إلا خالقه، وقد أفهمها لسليمان ولمن يشاء، وأفهمها لنبينا عليه الصلاة والسلام عندما كلمه الجمل واشتكى إليه، وعندما صوت الجذع الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم، فصوّت وحنّ حنين الشوق والأسف على أن كان الرسول ﷺ يعلوه ويصعد ويخطب عليه، فحرم منه عندما صنع له منبر جديد.