تفسير قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان)
قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [يس: ٦٠].
أي: ألم آمركم وأنزل كتباً عليكم بواسطة أنبيائكم، فقد كانوا يأمرونكم بعبادة الله وتقواه، ويأمرونكم باتخاذ الشيطان عدواً، فهو لكم عدو، ويأمرونكم بأن تعبدوا الله وحده، وكانوا ينهونكم عن عبادة الشيطان وطاعته واتباعه في الكفر، والخروج عن أمر الله وأمر الأنبياء وطاعتهم.
فقوله: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ) استفهام توبيخي تقريعي، أي: قد كان ذلك، فقد آن الأوان لأن يقرعوا ويوبخوا ويعاقبوا، وذلك بأن يسحبوا إلى النار.
فالله جل جلاله يعيد عليهم ما أنزله على أنبيائهم، وما أمرهم به أنبياؤهم.
وقوله: (يَا بَنِي آدَمَ) كلنا بنو آدم منذ آدم وإلى آخر إنسان في الوجود.
وقوله: (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ) وعبادة الشيطان طاعته، وكل كافر وعاص وخارج عن أمر الله وعن دين الله الحق وعن أوامر نبيه هو عبد للشيطان؛ لأنه أطاعه فتعبده، وأصبح من حزبه ومن أنصاره.
وقوله: (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي: إنه لعدو لبني آدم، وعداوته بينة ظاهرة، من يوم أن أخرج أبويهم من الجنة، ومن يوم أبى أن يسجد لآدم، وقد خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، ثم استكبر وقال: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢]، تعاظم بأصله، وتوهم أن النار أفضل وأعظم من النور.
وهكذا يتعالى الناقصون المجرمون بأحسابهم وأنسابهم، وقد تكون تلك الأنساب وتلك الأحساب آباء مجرمين، وأجداداً مجرمين من الكفار أو من الجاحدين، أو من أنصاف المسلمين في أقل تقدير.


الصفحة التالية
Icon