تفسير قوله تعالى: (لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين)
قال الله تعالى: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [يس: ٧٠].
وقرئ في السبع وهي قراءة نافع: (لِتُنْذِرَ من كان حياً).
الكلام هنا للنبي عليه الصلاة والسلام، فقد أنزل الله عليه القرآن ولم يعلمه الشعر؛ ليكون بالقرآن نذيراً ومبشراً، ليتوعد الذين لم يؤمنوا بالله بالنار والغضب والتدمير، وأنهم لا يستحقون كرامة ولا اعتباراً.
ومعنى قوله: (لِيُنْذِرَ) أي: لينذر القرآن، وسواء أنذر القرآن أو أنذر نبي الله، فهو أنذر بالقرآن ودعا بالقرآن، فقد أنزل الله عليه القرآن لينذر به، وليدعو الناس إلى العمل بما فيه، فمن قبل فذاك وإلا فالسيف، وكما يقول عثمان بن عفان: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).
وليس كل الناس يقبلون القرآن والسنة، خاصة منهم من كان فارغ القلب وتعلم على يد اليهود والنصارى، وعاش في البيئات والأوساط الفاسدة، فهذا يكون قد دخل الكفر قلبه وتمكن منه، فتقول له: قال الله، فيقول لك: لا تستدل علي بآية قرآنية، وتقول له: قال رسول الله، فيقول: انظر ماذا يقول الفلاسفة، ماذا يقول علماء اليوم ومعاصروه، فهذا كأن على أذنه الآنك (الرصاص)، فهو لا يسمع ولا يعقل ولا يبصر ولا يدرك، فهذا إذا لم يقومه القرآن قومه السيف.
ولا بد من السيف، فالإسلام قلم وسيف، والإسلام دعوة وجهاد، فمن قال: هو دعوة فقط قال غير الحقائق، ومن قال: هو سيف فقط قال غير الحقائق، فالنبي عليه الصلاة والسلام عاش في مكة ثلاثة عشر عاماً وهو يدعو إلى الله بلا سيف، وكان يمر على أصحابه وهم يعذبون وقتل منهم من قتل، فلا يقول لهم إلا: صبراً صبراً، ومر على أب وأم ووليدهما، مر على عمار ووالديه ياسر وأمه فقال لهم: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) وطعنت أم عمار بن ياسر طعنها البغيض اللعين أبو جهل بحربة في قبلها إلى أن خرجت من ظهرها، وهو يدعوها إلى الكفر بالله والعودة عن الإيمان، وهي تأبى إلا الإيمان، فكانت أول شهيد في الإسلام، والنبي لا يزيد على أن يقول: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة).
فقوله: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [يس: ٧٠] أي: من كان حي القلب، حي الفهم متفتحاً ذاكراً واعياً، لم يكن بليد الطبع، ولا ميت القلب.
فقد جاء الإسلام بحياة القلوب، فمن كان قلبه من الأصل ميتاً لا تؤثر فيه موعظة، ولا بشارة، ولا نذارة، ولا قول الله، ولا قول رسول الله، فهذا إلى الحيوان أقرب منه إلى الإنسان، بل الحيوان أشرف وأكرم منه، كما قال القرآن فيه: ﴿أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [الأعراف: ١٧٩].
وقوله: ﴿وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [يس: ٧٠] أي: يحق الغضب والعذاب على الكافرين، فيعاقبهم الله تعالى بسبب كفرهم بكتابه وبرسوله صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon