تفسير قوله تعالى: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون)
قال الله جل جلاله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: ٧١ - ٧٣].
يقول تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ [يس: ٧١]: الاستفهام هنا استفهام إنكاري تقريعي توبيخي، أي: أولم ير هؤلاء المنكرون المكذبون بالبعث والنشور، واليوم الآخر، الكافرون بالله ورسله وكتبه، ﴿أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ [يس: ٧١]؟! أليس لهم أبصار تنظر؟! أليس لهم بصائر يعلمون بها أن هذه الأنعام التي يرونها في الأرض من إبل وبقر وغنم خلقناها لهم بأيدينا؟! فهل لشركائهم شرك في ذلك؟! وهل أعانوا الله على هذا؟! تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيراً؛ فهو المتصف بالخلق، وهو القادر على كل شيء، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢].
والأنعام جمع الجمع، فهو جمع نعم، والنعم يشمل الإبل والبقر والأغنام، والمفرد يختلف فهو في البقر بقرة وفي الإبل جمل أو بعير أو ناقة، وفي الغنم معز أو ضأن.
يقول تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ [يس: ٧١].
أي: خلقنا ذلك بقدرتنا وإرادتنا من غير معين يعين، ولا شريك، ولن يكون ذلك أبداً، فخلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون، فهم لهذه الأنعام مالكون قاهرون، ويتصرفون فيها كما شاءوا، فإنك ترى الطفل الصغير يسوق الإبل في الحيطان وكذلك البقر، فلا تكاد تتحرك أمامه، ولو هاج واحد منها لداسه برجليه وكأنه لم يكن.
فقوله تعالى: ﴿فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ [يس: ٧١] أي: قاهرون متصرفون فيها بيعاً وشراءً كما يريدون.