تفسير قوله تعالى: (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة)
قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس: ٧٧ - ٧٨].
يقول جل جلاله: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ﴾ [يس: ٧٧] و (أل) هنا للجنس، أي: جنس الإنسان، وليس المراد إنساناً بعينه، بل المراد كل إنسان من بني آدم وحواء، المؤمن منهم والكافر.
يقول تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ [يس: ٧٧].
فالله قد خلقنا من نطفة، وخلق أبانا آدم من تراب، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه، كما قال الله في كتابه: ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [الأعراف: ١٨٩]، ثم خلقنا بعد ذلك من نطفة تكونت من صلب الرجل ومن المرأة كذلك، فنحن أبناء نطفة تكونت من ذكر وأنثى، وهكذا كل من ولد وكل من خلق من آبائنا وأجدادنا بعد آدم وحواء، إلا عيسى عليه السلام، فقد خلقه الله من أم بلا أب، قال تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩].
يقول تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ﴾ [يس: ٧٧].
هذا الإنسان الذي طغى وتكبر، وذهب يقهر البشر، وذهب يأكل أموال الناس بالباطل، وذهب يكفر بخالقه ورازقه، فلم يتذكر خلقه الأول، فقد خلق من تراب، ثم خلق من نطفة مهينة، والنطفة هي القطرة من الماء، وهي من الإنسان قطرة خاصة هي البذرة البشرية بعد ذلك، فتخرج من الصلب، ثم تكون في رحم المرأة في قرار مكين إلى أجل معلوم.
ولذلك يقول الله جل جلاله: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٧٧] فإذا بهذا المخلوق من نطفة ينسى أصله، فيخاصمنا ويجادلنا ويقول: ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس: ٧٨] يقول ذلك زوراً وباطلاً، ويقول ذلك كفراً وشركاً، ويخاطب به أنبياءه ويجادلهم بكلام باطل، ولو تذكر نفسه وكيف خرجت، ولو رأى غيره مثله لما قال هذا ولما خطر له على بال.
يقول تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٧٧] أي: شديد الخصومة، يتألى على الله ويقول: أنا ربكم الأعلى.


الصفحة التالية
Icon