تفسير قوله تعالى: (وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق)
قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥].
يقول الله تعالى: ما ينتظر هؤلاء الكافرون من العرب وممن كان في عصر النبي ﷺ من العجم إلا الصيحة، إذ إن الجميع معنيين بدعوته صلى الله عليه وسلم، ﴿إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨]، فهو عندما دعاهم لزمتهم دعوته والإيمان به، فمن لم يفعل فهو كافر مخلد في النار، وكما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (والله لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي).
وسينزل عيسى في آخر الزمان وهو على دين نبينا دين الإسلام، فيصلي صلاتنا، ويحج حجنا، ويشهد شهادتنا.
والأنبياء من قبل إنما هم أنبياء قوميون، نبوءتهم ورسالتهم موقوتة في زمن معين لأقوام معينين، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (كان الأنبياء السابقين يبعثون إلى أقوامهم خاصة وبعثت إلى الناس كافة)، فعيسى عليه السلام عندما ينزل سينزل تابعاً لنبينا صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: ﴿وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ [ص: ١٥].
والصيحة كما في الحديث الصحيح في الكتب الستة: أن إسرافيل فمه في البوق وجبهته منحنية ينتظر أمر الله جل جلاله لينفخ في الصور.
وهي نفخات ثلاث: نفخة الفزع التي يرعب فيها كل حي، ثم نفخة الموت فيموت الجميع ويبقى الله الواحد، فيقول: لمن الملك؟ فيجيب على نفسه: أنا الملك أين الملوك؟ وهانحن نرى من ادعى أنه ملك الملوك، كيف أذله الله وحقره حتى عجز عن أن يجد مكاناً ينام فيه، ورفضته أرض المسلمين وأرض النصارى وأرض اليهود، ويوشك أن يدخل باطن الأرض فيجد من عذاب الله ونكاله ما هو صالح لأمثاله؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن أذل الأسماء وأخنعها ملك الملوك).
ولذلك من تألى على الله ووصف نفسه بصفة هي من صفات الله كان حرياً أن يذل ويهان، ومن يتأله على الله يكذبه، ومن يجعل نفسه إلهاً يقصمه الله فيهينه ويذله ويحقره ويجعله عبرة للمعتبرين في حياته وبعد مماته.
فقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ [ص: ١٥].
أي: لا ينتظرون بعنادهم وكفرهم إلا أن ينفخ إسرافيل في الصور، ويحشرون إلى الله للعرض عليه والحساب والعقاب، وإلى النار خالدين فيها مخلدين، فليكذبوا إن شاءوا، وهيهات هيهات أن ينكروا ما تشاهده عيونهم وتحسه أجسامهم، فهم في العذاب كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب.
قال تعالى: ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥].
أي: ليس لها رجعة، فلا يمكن أن يعودوا مرة أخرى للدنيا فهذه النفخة لا تعاد مرة أخرى، فإذا كانت نفخة فزع أتت بعدها نفخة الموت، وإذا كانت نفخة موت أتى بعدها البعث والعرض على الله ليجازى المحسن والمسيء حسب عقيدته وصدقه.
يقال: (فواق) أي: رجعة وتردد، أي: ما لهذه النفخة رجعة ولا تردد ولا عودة.
ويقال (الفواق) بضم الفاء: وهي حلب الناقة مرة بعد مرة، إذ تحلب الناقة ثم تترك زمناً ليرضع منها فصيلها، وتترك حيناً ويعود إليها الحليب مرة أخرى، ثم تحلب مرة أخرى وهكذا.