تفسير قوله تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك)
قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [ص: ٢٩].
هذا الكتاب هو القرآن الكريم، فهو ليس من تأليف أحد، وإنما هو كتاب من الله أنزله إليك وحياً، فهو كلام الله وهدايته، وموضع الأوامر والنواهي، وهو الكتاب الذي ما استمسك به أحد إلا نجا، وهو الكتاب الذي جعله الله هداية للمهتدين، ولعنة للكافرين.
وقد ورد: (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه)، فهو قد يكون من الكاذبين، والقرآن يقول: لعنة الله على الكاذبين، وقد يقرأ القرآن وهو كافر، والقرآن يقول: ﴿فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٨٩]، فهو يرتكب الموبقات كالشرك والعصيان ويلعن بذلك.
(كتاب أنزلناه) أي: أنزله على قلب محمد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه، بوساطة جبريل رسول الملائكة إلى البشر من الناس، قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ﴾ [الشعراء: ١٩٣] على قلب محمد صلى الله عليه وعلى آله.
قوله: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ [ص: ٢٩] أي: فيه البركة، والبركة في الطاعة.
والبركة: هي الزيادة والنماء، فالقرآن يزداد به المؤمن إيماناً، والمطيع طاعة، والمتقي تقوى، والصالح صلاحاً، وهو في ذات الوقت يزيد الكافر ظلمات فيعلو الران على قلبه ولا يستطيع أن يميز بين حق وباطل، وبين نور وظلمة.
هذا الكتاب الذي جعله الله تعالى هداية للناس كافة، ودستوراً وقانوناً منذ أنزل على نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الديار المقدسة -مكة والمدينة- ويوم قام في هذه البقاع المقدسة، يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨].
وهو مبارك النور، ومبارك الطاعة، ومبارك الحقائق، فيه النماء والزيادة لكل من آمن به، وعمل بمقتضاه، وما تركه قوم إلا ضلوا وذلوا، وقد كان المؤمنون سادة الأرض، وأئمة الكون، وهداة العوالم، وما ذلوا لليهود والنصارى إلا مع تركهم لكتاب الله وراءهم ظهرياً، فأحلوا حرامه، وحرموا حلاله، وأنكروا حقائقه، واتبعوا الشيطان حيث وجدوه في الأرض، وتركوا القيادة المحمدية، وقيادة الخلفاء الراشدين إلى قيادة الشياطين وكل أفاك وكذاب دعي، فهؤلاء عندما تركوا الهدى واتبعوا سبل الباطل، وضاعت أيامهم، وذلت حكامهم، وضعفت دولهم، وأصبحوا شذر مذر رموا أنفسهم بين القردة والخنازير من اليهود أعداء الله الكفرة المجرمين، وبين النصارى الصليبيين الضالين المضلين، ولو عادوا إلى الله لأعاد لهم عزهم ومقامهم، ولكنهم أبوا إلا الباطل، ولكن الله جل جلاله يمهل ولا يهمل، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧].
فهذا الذي أزال الحواجز بين المؤمن واليهود يريد أن ينكر كتاب الله ويرتد، فهو قد ارتد فعلاً عندما قال: القرآن لا صلة له بالحكم، ولا سياسة في الإسلام، ولا إسلام في السياسة، أعلن ردته ويهوديته، وأعلن هوانه، وما هو بين الكافرين إلا ذباباً من المماسيخ.


الصفحة التالية
Icon