تفسير قوله تعالى: (ولتعلمن نبأه بعد حين)
قال الله تعالى: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: ٨٨].
اللام هنا هي اللام الموطئة للقسم، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقسم بما علمه الله وأكد ذلك بنون التوكيد الثقيلة، أي: لتعلمن نبأ هذا الذكر وهذا القرآن وهذه الرسالة وهذا النبأ العظيم، ﴿بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: ٨٨] أي: حين يعلمكم الله ذلك، وتظهر لكم الحقائق من المعجزات التي أتى بها القرآن، والتي نطق بها رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتي ستظهر في الكون في آخر الزمان مما أخبر به الله، ونبأ عنه رسول الله الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
وكذلك عند موتكم، فالإنسان إذا مات أتاه اليقين، قال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٩]، أي: اعبد الله ما دمت حياً حتى ينتقل ما آمنت به غيباً فيكون إيمانك به يقيناً ومشاهدة، ويكون ذلك بالموت.
وفي يوم القيامة سيفصل الله بين العباد: بين اليهود والنصارى، وبين المسلمين مع اليهود والنصارى، وبين طوائف المسلمين الذين افترقوا إلى ثلاث وسبعين فرقة كما أخبر الصادق المصدوق.
هذه الفرق تزعم كل منها أنها وحدها على الحق وسواها على الباطل، ومن هداه الله ابتلاه في دنياه، ومن ضل فإنه يبقى ضالاً إلى يوم القيامة إلا أن يدركه الله برحمته وبنعمته، ونرجو من الله أن يجعلنا من هذا القبيل ممن يعلمهم الله ويرشدهم ويلهمهم ما يعود عليهم بخير في الدنيا والآخرة، وهذه الآية الكريمة على قلة ألفاظها هي من جوامع كلم القرآن، وقد كتب كاتب فرنسي نصراني كتاباً يتكلم فيه عن القرآن الكريم موازناً له بالتوراة والإنجيل، وأن كل العلوم والحقائق الكونية سماء وأرضاً مما ذكر القرآن يؤكدها العلم الحديث، وتؤكدها الحقائق، وليس فيها تغيير ولا تبديل، ولا قلب للحقائق، وهذا بخلاف التوراة والإنجيل، فالتوراة قد بدلت، والإنجيل قد غيرت، ودخلها الكذب والتحريف والتبديل، فظهر فيها فساد المفسدين، وهذا من معجزات القرآن، وقد قال الله عن القرآن الكريم: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]، وقد مضى عليه أربعة عشر قرناً ولم يستطع أحد أن يغير ما فيه أو يبدله أو يحرفه زيادة أو نقصا ًفي حرف أو حركة أو سكون على كثرة أعداء الإسلام، وأعداء القرآن، وأعداء محمد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
فالقرآن الذي نزل على محمد عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة والمدينة المنورة هو هذا القرآن الذي نقرؤه اليوم بلا تبديل ولا تغيير، بالوقفات والحركات والسكنات، والتقديم والتأخير والنظم، أليس هذا الوحي هو معجزة المعجزات؟ وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن كل معجزات الأنبياء السابقين قد أدت مهمتها وانتهت، وأما القرآن فهو المعجزة التالدة الخالدة التي يدرك إعجازها لفظاً ومعنى كل إنسان يأتي بعد نبينا عليه الصلاة والسلام.
فالأصحاب آمنوا بهذه المعجزة علماً وتصديقاً، وأما نحن فآمنا بها وقوعاً ومشاهدة، وبهذا نكون حققنا ما أخبر به النبي عن كتاب الله.