تفسير قوله تعالى: (قل إنما أنا منذر)
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [ص: ٦٥ - ٦٦].
يقول الله لنبيه: قل لهؤلاء الكفرة بك، وبإلهك، وبالكتاب المنزل عليك، إنما أنا منذر، لست إلهاً ولا معبوداً فأنا بشر مثلكم، أرسلني الله إليكم لأنذركم، ولأخوفكم، ولأهددكم عقوبة يوم القيامة، ولست ساحراً أو كاهناً أو مجنوناً، ولكنكم قوم لا تعقلون، فأنا أبشر المؤمنين بالجنة، وأنذر الكافرين بالنار.
وقوله: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [ص: ٦٥]، أي: ليست هناك آلهة متعددة، وقد جئتكم بإله واحد، وجعلت الآلهة إلهاً واحداً، وأخذتم تتعجبون، وتقولون: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥]، واعجباً في ذلك! والعجب في كفركم وفي قولكم، وفي بعدكم عن الله.
فما من إله إلا الله الواحد القهار، ولا إله معبود بحق إلا الله الخالق الرزاق الواحد القهار، الذي خلق الخلق، وقهرهم بالموت، وبالعرض عليه يوم القيامة لينالكم الجزاء: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾ [الزلزلة: ٧ - ٨].
وهو القاهر فوق عباده، وما كل من ادع الألوهية والربوبية إلا خلق من خلق الله، لا يضر ولا ينفع، ملكاً كان أو إنساً، أو جناً ومن باب أولى إن كان جماداً.
وقوله: ﴿رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [ص: ٦٦].
أي: ربها وخالقها ورازقها، فهو مدبر السماوات وما علاها، ومدبر الأرض وما فيها، وما قد خفي فيها، وما بين السماوات والأرض من نجوم وكواكب متنقلات مما لا يعلمه إلا الله، فكله خلق الله، وكله تحت قهره وتدبيره، يحيي من يشاء ويميت من يشاء، لا شبيه له لا في صفة ولا في ذات، لا في أفعال.
وقوله: ﴿الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [ص: ٦٦].
العزيز هو الذي لا ينال، ولا يوصل إليه لعزته وقهره جل جلاله، وهو مع ذلك يغفر لمن أساء ثم أناب، فيغفر للمستغفرين وللتوابين ولمن رجع إليه، فالله يتوب على من تاب إليه إلا من أبى إلا البقاء على الشرك والاستمرار فيه ومات عليه، فإن الله لا يغفر أن يشرك به، ومن مات على الشرك والكفر يستحق العذاب الدائم الذي لا مغفرة فيه ولا سماح.