تفسير قوله تعالى: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون)
قال تعالى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [الصافات: ٢٧]، أخذوا يتخاصمون فيما بينهم فيتساءلون في خصام، يقول الأتباع للمتبوعين وهم يسائلونهم وأولئك يجيبونهم، ويبرأ بعضهم من بعض، ويكفر بعضهم ببعض، وأقبل بعضهم على بعض، أي: لجئوا إلى بعضهم إقبالاً: ﴿قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ [الصافات: ٢٨]، يقول الأتباع للمتبوعين، يقول الشهم كما يعبر عنه اليوم باللغة الوثنية الجديدة، يكفرون بالله ويقولون الشهم، ينشرون الفسق ويقولون الشهم، يفعلون ما شاءوا ويقولون الشهم، وما هي إلا صيغة يهودية، ودعوة يهودية، الإسلام لا يقول هذا، الإسلام يقول الحق، من كان معه الدليل ومعه الحق فهو الجماعة وهو الكثرة، وهو الأمة، وهو الشعب.
أما الأكثرية الضالة فقال الله عنها: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦].
قال تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ [الصافات: ٢٨]، قال الأتباع للمتبوعين، قال الرعاع للأئمة والزعماء والرؤساء والموجهين من الكفار والمشركين: ﴿قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ [الصافات: ٢٨]، فسروا اليمين هنا بعدة تفاسير، قالوا: أي: كنتم تأتوننا عن القوة، تستغلون قوتكم علينا، سلطانكم المالي، سلطانكم الحكمي، سلطانكم الجماهيري، وتضغطون علينا وتقهرونا على الكفر، وفسروا اليمين بالقوة، وفسروه: بالدين الحق، وفسروه: بالحق، قالوا: أي: كنتم توهموننا أن ما تدعوننا إليه هو الحق، وهو الدين الصحيح، وهو الصواب، إلى أن دفعتمونا للشرك دفعاً، للكفر بالله، وبرسول الله، وبدين الله سبحانه.
وقال الحسن البصري: أي: كنتم تأتوننا عن الأيمان واليمين، أي: تأتوننا عن يميننا، وعن شمائلنا، ومن أمامنا، ومن خلفنا، وتحيطون بنا في سجل الأوقات والأزمنة مدة حياتنا وحياتكم، وأنتم تنشرون بيننا الكفر والشرك والضلال، تقولون في الصباح: اشتراكية، وفي الليل اشتراكية، وتقولون: إن الدين لا علاقة له بالدولة، فليذهب صاحبه في المسجد، نحن دولة متحضرة، نحن شعب متحضر، أرادوا أن يبرروا بذلك الاستسلام لليهود، والخضوع لليهود، والكفر بالله، وبرسول الله، وبالدين الحق الإسلام، وهيهات هيهات! فهؤلاء يرون كل وقت إذا لم يتعظوا بالماضي ففي الحاضر، يرون بجلاء من تأله على الله، ولقب نفسه: بملك الملوك، كيف كانت عاقبته، وكيف كانت نهايته، فرسول الله القائل صلى الله عليه وسلم: (أخنع الأسماء وأذلها: ملك الملوك)، هذا الذي يتأله على الله، وملك الملوك هو الله، الذي يزعم لنفسه حقاً ليس له، يألم ويتغوط ويجوع ويعرى ويستر نفسه ثم يزعم أنه ملك الملوك، ذهبت الأملاك وذهب الإثم وذهب الوجود، وهكذا كل كافر بالله في الزمان الغابر، وفي العصر الحاضر، ولكن الناس عن الله غافلون، وعن الحق مبتعدون.
قال تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ [الصافات: ٢٨]، تأتوننا عن يميننا وعن شمائلنا، ومن أمامنا ومن خلفنا، ومن فوقنا ومن تحتنا، من أعالي القصور، يا أيها الناس! نحن ندعوكم إلى الحضارة، دعكم من الدين، يقول هذا اللعين الكافر: يريد فلان أن يعيدنا إلى أربعة عشر قرناً، وهو يقصد بذلك: قرن النبي عليه الصلاة والسلام، يزعم أنه ينصر الناس من الحياة النبوية، ومن العصر النبوي، وهاهو ذا يرى مآله ونهايته، وهو مثال لكل من يريد أن يتبع أثره، ويسلك سلوكه، وما ذلك على الله بعزيز، فطالما أهلك الجبابرة والطغاة، وكل من تأله على الله، وقال: أنا ربكم الأعلى، ولكن الله يمهل ولا يهمل جل وعلا، كما أخبرنا بذلك رسول الله وخاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه.
قال تعالى: ﴿قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات: ٢٩]، بل أنتم لم يكن فيكم استعداد للإيمان بالله، ولا برسل الله، ولا بكتب الله، فأنتم الذين كفرتم بنا، ولسنا نحن من كفرنا بكم: ﴿بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات: ٢٩]، أي: لم نجدكم مؤمنين فأرجعناكم عن الإيمان، فهم يتخاصمون بهذا وهم في النار: ﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [الصافات: ٣٠]، ليس لنا عليكم قهر ولا قوة أن نلزمكم قلباً وعقيدة وضميراً بأن تشركوا بالله غيره، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً: ﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ﴾ [الصافات: ٣٠]، طغيتم على ذلتكم وحقارتكم، وكان لكم طغيان في الكفر، ورغبة في الكفر، وحرص على الكفر، وعمل بالكفر، لستم أقل منا فلم نجبركم، ولم يكن لنا دليل على الكفر، ولا على الفساد ولكنكم كنتم مهيئين لذلك، ولو لم تفعلوا هذا معنا لفعلتموه مع غيرنا، وقد كنتم قوماً طاغين، يقول الرؤساء: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ﴾ [الصافات: ٣١]، وجب علينا قول ربنا لمن عصاه وخرج عن أمره: ﴿إِنَّا لَذَائِقُونَ﴾ [الصافات: ٣١] أي: ذائقوا العذاب والنار، ذائقوا لعنة الله وغضبه وعقوبته.
قال تعالى: ﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾ [الصافات: ٣٢]، أضللناكم وكنا ضالين، ولكن هذا الضلال كنتم على استعداد له، فلم تكونوا مؤمنين من قبل حقاً، فالمؤمن الحق لو نشر بالمناشير ما ارتد عن دينه، لو أغري بتيجان الدنيا وعروشها لما غير دينه، ولكنكم في الأصل كنتم مهيئين للكفر، كنتم مهيئين لعدم الإيمان، طمعتم في قليل من الدنيا، مال أو منصب، فنحن وأنتم الآن سواء، أنتم غاوون، ونحن غاوون، أنتم ضالون ونحن ضالون، وإذا بالله يقول: ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الصافات: ٣٣].
سواء قادة أو مقودين، أما أن يقول إنسان: المسئولية على إمامنا، على قادتنا، على حكوماتنا فليس كذلك، فقد خرجنا من بطون أمهاتنا كل واحد بنفسه، وسندخل قبورنا فرادى، وسيأتي الملكان يسألان كل إنسان مع نفسه، فلم يكن معه أب ولا ابن ولا زوجة، ولا جيش ولا دولة، ولذلك فكل إنسان على نفسه بصيرة، فكل إنسان يجب أن يفكر عندما سيسأل: ما دينك؟ من ربك؟ من نبيك؟ هل صليت؟ هل زكيت؟ ماذا صنعت؟ يكفر ما يجيب به على هذه الأسئلة.