تفسير قوله تعالى: (قال تالله إن كدت لتردين)
وإذا به يقول له متسائلاً: ﴿قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [الصافات: ٥٦ - ٥٧].
يقال عند القسم: تالله وبالله ووالله، وكلها بمعنى، يقول هذا الشاب لذاك القرين الدائم: والله يا فلان! لقد كدت تردين، وكاد: من أفعال المقاربة عند العرب، أي: قاربت أن تضلني، وقاربت أن أصدقك.
(لتردين): من الردى وهو: الهلاك أي: كدت تهلكني بالشرك والكفر وعدم الإيمان، ولو طاوعه وتابعه لكان معه في قعر جهنم وفي وسطها، ولكنه يقول له ذلك وهو مرتبط بحاله، يحمد الله على أنه دام على الإيمان حتى لقي الله فكان من أهل النعيم.
قوله: ﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي﴾ [الصافات: ٥٧] أي: لولا أن الله أنعم علي، وثبت قدمي على الإسلام، وثبتني على لا إله إلا الله، ﴿لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [الصافات: ٥٧] أي: لكنت من المحضرين معك في النار، ولا يقال: فلان أحضر إلا لسوء؛ لأن كلمة أحضر معناها جر عنوة، ويقال: حضر للخير.
قال تعالى: ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [الصافات: ٥٨ - ٥٩]، هذا يقوله أهل الجنة وهم على غاية ما يكونون من الفرح، والخواطر تخطر ببالهم أنهم سيموتون وينقطع هذه النعم، وهذه اللذائذ وهذا الرضا، فيتساءلون مع الملائكة: ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [الصافات: ٥٨ - ٥٩].
يا ملائكة الله! يا جند الله! هل نحن متنا موتة واحدة هي التي كانت، وليس وراء ذلك موت آخر، فنحن الآن في نعيم ولا ينتظر عذاب آخر، فيقول لهم الملائكة: نعم لا موت، الجنة حياة ولا موت، والنار حياة ولا موت.
وفي الأحاديث الصحيحة عند البخاري ومسلم: (يؤتى بالموت على صورة كبش فيذبح، ويقال لأهل الجنة: خلود فلا موت، ثم يقال لأهل النار: خلود فلا موت).
قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [الصافات: ٦٠].
أي: اهنئوا بهذا الفوز وهذا الرضا، اهنئوا بهذه الحياة المنعمة الدائمة.
﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ [الصافات: ٦١] أي: لمثل هذا الذي جزيتم عنه في الجنة، جزيتم عنه بالنعيم المقيم الدائم، فكان ينبغي أن يعمل لهذا النعيم العاملون، وهذا الكلام إما أن يقوله أهل الجنة أو تقوله الملائكة، أو يقولوه كلهم، فلا مانع من ذلك لأن الآية عامة في هذا وهذا.


الصفحة التالية
Icon