تفسير قوله تعالى: (ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم)
قال تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٦٨].
معنى ذلك: أن هذا الحميم الذي يشربونه هو في حواف النار، في حواف جهنم، فيخرجون للشرب كما تخرج الدواب إلى مراعيها فترد الماء لتشرب ثم تعود للرعي، فيخرج هؤلاء من النار بعد أن يكملوا أكلهم من هذه الشجرة التي في قعر جهنم وفي أصل الجحيم، والتي قد أجبروا على الأكل منها، فيأكلون منها كما يأكل الجائع، والجائع يأكل أي شيء أمامه.
قال تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٦٨] أي: ثم يعودون بعد ذلك إلى جهنم، وثم تقتضي العطف مع الترتيب، أي: ثم مرجعهم بعد أن يشربوا الماء الحار الذي مزق أمعاءهم إلى النار والجحيم والعياذ بالله.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾ [الصافات: ٦٩ - ٧٠].
يخبر ربنا عن هؤلاء أن كفرهم بالله لم يكن عن دليل أو حجة أو بمنطق عقل وإنما هو التقليد الأعمى كما تفعل القردة والببغاوات عندما تقلد أي حركة وهي لا تعي ما تفعل.
قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾ [الصافات: ٦٩ - ٧٠].
أي: على طريقتهم يسرعون، فالله يصفهم بالإعراض عنه والإصرار على الشرك، ومن هنا كان التقليد مصيبة؛ لأن التقليد في الأصل سبب في دخول الإنسان النار، ولذلك لا يكفي المرء منا أن يكون مسلماً فحسب، بل عليه أن يفكر في نفسه، وأن يتفكر في كتاب الله وفي سنة رسول الله، وبما يقرره القرآن الكريم، فيسأل نفسه: من خلق السماوات والأرض؟ من خلقني؟ من جعل هذا النظام الدقيق في الكون؟ فتجده يقول مع نفسه: إنه الله، فيكون إيمانه عن فهم ووعي وإدراك لا مجرد تقليد وعادة فقط، وإذا لم يستطع فهم مسألة معينة سأل أهل العلم بها لأن الله سبحانه يقول: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]، وهذا لا يعد تقليداً، بل هو من باب سؤال الجاهل للعالم، وليس كل الناس علماء، وليس كل العلماء مجتهدين، فعلى الجاهل أن يسأل أهل العلم المختصين حتى يكون طعامه وشرابه ولباسه حلالاً لا شبهة فيه ولا حيلة، والعالم قد لا يعلم بعض الجزئيات، وقد لا يحيط بجميع المسائل، ومن هنا جاءت المذاهب، وجاء سؤال أهل العلم، وفوق كل ذي علم عليم.


الصفحة التالية
Icon