تفسير قوله تعالى: (إنا كذلك نجزي المحسنين)
قال تعالى: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [الصافات: ٨٠].
أي: من أحسن وأطاع، ومن دعا إلى الله، ومن صبر صبر نوح في الدعوة إلى الله، فإن الله يحسن إليه ويجازيه بأن يرفع اسمه، ويعلي ذكره، وتبقى الناس تترحم عليه، وتذكره في الصالحين، وكذلك كما فعلنا بنوح ونصرناه أخيراً على أعدائه، وأعداء الله كذلك من دعا إلى الله ننصره على أعدائه، فنجعل النصر له والعاقبة الخيرة له، ونجعله في عليين، ونجعل أعداءه في الأسفلين كما فعل بنوح مع قومه: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [الصافات: ٨٠].
والإحسان: هو الإيمان بالله قلباً وقالباً، لساناً وجناناً، والإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فيكون مؤمناً في نفسه داعياً للخلق إلى عبادة الله، ويحسن عبادته بأن تكون خالصة لله بلا شرك خفي، بأن تكون عبادته لا يراد بها إلا الله خالصة لوجه الله، يؤديها بفرائضها أركاناً وواجبات، وسنناً ومستحبات، وأن يحسن لعباد الله الصالحين المؤمنين.
قل تعالى: ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات: ٨١]، يشير الله بذكره ويقول: إنه من عباده المؤمنين الذين آمنوا بإخلاص، والذين آمنوا بطاعة، والذين آمنوا كما أمرهم ربهم، فهو كان مؤمناً من الصالحين، مؤمناً صادقاً بين المرسلين، فجازاه الله على إيمانه، وعلى إسلامه فنصره على قومه وأغرقهم فقال: ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ﴾ [الصافات: ٨١ - ٨٢].
أغرق قومه الآخرين ممن كانوا معه في عصره، وخرجوا عن دينه، وخرجوا عن طاعته، وأبوا إلا الكفر والعصيان والجحود، فأغرقهم الله حتى لم يبق منهم أنيس ولا ذاكر، والقصة ذهبت ومضت في السور الماضية كسورة الأنبياء بتفاصيلها وبكلياتها وجزئياتها، ونقتدي بما ذكر هنا على ما مضى لكي لا يعاد الشيء أكثر مما مضى.


الصفحة التالية
Icon