تفسير قوله تعالى: (وتركنا عليهما في الآخرين)
قال تعالى: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات: ١١٩ - ١٢٢] أي: ترك على هذين النبيين ذكراً حسناً، وثناءً عطراً في كتاب الله، فموضع موسى وهارون عند النصارى وعند المسلمين موضع تكريم وثناء وإجلال، وبقي تكريمهما في الكتابين على ما فيهما من تغيير وتبديل، وثبت تكريمهما وإجلالهما في القرآن العظيم المهيمن على ما سبقه من كتب الله.
فقوله: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ) أي: ترك عليهما في الأجيال اللاحقة بعدهما ذكراً حسناً وثناءً عطراً، وأنهما النبيان الكريمان الصالحان المصلحان، الداعيان إلى الله الهاديان المهديان.
فقوله: (فِي الآخِرِينَ) أي: الذين يأتون بعدهم.
قال تعالى: ﴿سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الصافات: ١٢٠].
فالله جل جلاله سلم على موسى وهارون، وسلام الله رحمته ورضاه ومغفرته تأمين من العذاب والغضب وتأمين من اللعنة والبعد عن الله، فكانا من الآمنين السابقين المرضيين، وكانا من الخالدين في الجنان إلى ما لا نهاية.
وذلك أيضاً أدب لنا، أننا إذا ذكرنا أنبياء الله أن نسلم عليهم وأن نصلي، قال تعالى: ﴿وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ [النمل: ٥٩]، فنسلم على نبينا بالدرجة الأولى، ونسلم على إخوانه من أنبياء الله السابقين، ونؤمن بهم أنهم عباد الله المكرمون، وأنهم عباد الله المعصومون، وأنهم أنبياء إلى أقوامهم، نصدقهم في ذلك؛ لأن القرآن أسرد ذلك وهيمن عليه وصدقه.
قوله: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [الصافات: ١٢١].
هذا هو المغزى من العبرة والقصة، أن الله جل وعلا يخبر أنه كما أنقذ موسى وهارون وقومهما عندما عبدا وأطاعا ودعوا قومهما إلى الله ولأن يكونوا مطيعين عابدين مستقيمين صالحين مطيعين، كذلك من آمن إيمانهم واستسلم استسلامهم، وصبر صبرهم يجازيه الله بالنصر وبالتأييد على الأعداء، وبالعاقبة له دون أعدائه.
إنا كذلك كما نصرنا موسى وهارون وقومهما على فرعون وقومه ونجيناهم من عذابهم ومن الكرب العظيم والبلاء والغم الذي كانوا فيه، كذلك من فعل فعلهم وآمن إيمانهم، واهتدى هدايتهم ننقذه وننجيه وننصره، وكذلك تكون العاقبة له.
قوله: ﴿إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات: ١٢٢].
أي: إن موسى وهارون كانا من عباد الله المؤمنين بالله رباً، والمؤمنين بأنهما نبيان كريمان، والمؤمنين بالدار الآخرة وبيوم البعث والنشور، إما إلى جنة وإما إلى نار، ولذلك ذكر من القصة جزءاً منها لهذا المعنى.
فكذلك من صنع صنيعهما وآمن إيمانهما، واعتمد على الله اعتمادهما ننجيه وننقذه وننصره، ونخلد اسمه في الخالدين، فيترحم عليه إلى يوم البعث والنشور.