تفسير قوله تعالى: (أفبعذابنا يستعجلون)
قال تعالى: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الصافات: ١٧٦].
أي: أنظرهم الله وإذا بهم يستعجلون العذاب فلم يريدوا انتظاره إلى زمن معين ووقت محدد، بل قالوا: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢].
استعجلوا العذاب واستعجلوا البلايا، ولكن الله لا يعجل بعجلة أحد، فجاء الوقت المحدد المسمى عند ربنا فأهلكوا، ودمروا وطردوا، وكان القضاء عليهم، وأصبحت جزيرة العرب كلها دار إسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لقد يئس الشيطان أن يعبد في جزيرة العرب بعد هذا اليوم).
ثم بشر عليه الصلاة والسلام بأنها ستفيض بحار الدعوة إلى الله في سبيل الله، وفي سبيل نشر الإسلام، فبشر بفتح المغرب وفارس، وبفتح الشام واليمن، وبفتح مصر والعراق، وما مضى خمسون عاماً من تاريخ الزمان حتى تحقق كل هذا، ودخل الناس في دين الله وعبادته، وفيمن يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
يقول ربنا جل جلاله: ﴿فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ﴾ [الصافات: ١٧٧].
أي: إذا نزل عذابنا بساحتهم، بحضرتهم، بأقوامهم، يقال: ساح بفلان، ويراد قومه ونفسه وداره، وما يحيط به (فإذا نزل) أي: العذاب الذي استعجلوه: ﴿بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ﴾ [الصافات: ١٧٧]، أي: ما أسوأ صباحهم! وما أشد لعنتهم! وما أحقر نفوسهم عندما يحل العذاب بساحتهم! يروي أنس بن مالك خادم رسول الله ﷺ كما في الصحيحين يقول: ذهب رسول الله ﷺ إلى خيبر ليؤدبهم حيث غدروا وخانوا في وقعة الأحزاب، فقد خانوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاولوا حرب النبي صلى الله عليه وسلم، وذهبوا إلى مكة يؤلبون عليه عربها، وإلى نجد يؤلبون عليه غطفان فكان بعد أن انتصر عليه الصلاة والسلام في موقعة الأحزاب، ذهب إلى بني قريظة، ثم بعد ذلك إلى خيبر.
فعندما أصبح بخيبر قال أنس: نزل عليهم ليلاً وكان عليه الصلاة والسلام إذا نزل ليلاً لا يحارب إلا صباحاً، كي لا يفجعهم وهم نيام، بات ﷺ ليله، قال أنس: فجاء الصباح وخرج الناس من خيبر، وخرج اليهود وبيدهم الفئوس للزراعة والحراثة، وإذا بهم يرون رسول الله ﷺ فيعودون مرعوبين مفزوعين ذاهلين!! وهم يصيحون: محمد والخميس! أي: الجيش، حيث جاء محارباً مقاتلاً، فعندما سمع ذلك عليه الصلاة والسلام قال: (إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين).
فكان صباحهم صباح ذل، وصباح هوان، وصباح غلبة، وإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يحاصرهم في حصونهم وقلاعهم إلى أن نزلوا على حكم رسول الله أذلاء خانعين عن كره أو عن رضا، فالكل سواء، فلم يسمح لهم إلا أن يخرجوا ما تحمله أيديهم ورواحلهم فقط.
وهكذا نصر الله خاتم رسله -كما نصر الأولين منهم- النصر العزيز المؤزر على الوثنيين من أهل الجزيرة، وعلى الكتابيين من أهل المدينة، وعلى الكتابيين الآخرين من أرض جيزان.


الصفحة التالية
Icon