معنى قوله تعالى: (كتاباً متشابهاً مثاني)
قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر: ٢٣].
في هذه الآية يبين الله لنا ما هو أحسن الحديث قال: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا﴾ [الزمر: ٢٣] أي: أحسن الحديث على الإطلاق القرآن الكريم، الذي هو آخر الكتب الموحى بها إلى الأنبياء، هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الحكم بين الناس، وهو دستور المسلمين وقانوهم، والشرف الذي إذا دانوا له وعملوا به كانوا سادة الأمم.
وعندما كان هذا الكتاب إمامهم يرجعون إليه في الأحكام وفي الحلال والحرام، في الدولة والشارع والمعسكر، وفي الأحوال كلها الداخلية منها والخارجية، عزوا وسادوا وما استكانوا، وما وضع اليهود أقدامهم عليهم إلا بعد أن تركوا كتاب الله وراءهم ظهرياً.
قال تعالى: ﴿مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ [الزمر: ٢٣] أي: يشبه بعضه بعضاً، فهو يتشابه في البلاغة والفصاحة والحقائق، ويشبه بعضه بعضاً في أن الجميع وحي من الله، وحق منه، إذ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وليس معنى المتشابه هنا كمعنى المتشابه في قوله تعالى: ((آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)) [آل عمران: ٧].
والله لا يشبه أحداً من خلقه، ولا يشبهه أحد من خلقه، فمتشابه هنا معناها: تشابهت الآيات في كتاب الله في كونها جميعاً كلاماً حسناً وبديعاً حقاً ووحياً من الله، وجميعها دعت إلى الحق والنور والفلاح والصلاح، وإلى سيادة المسلم وجعله سيد الأرض وإمامها وأستاذها ومعلمها وداعيها إلى الله.
فقوله: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ [الزمر: ٢٣].
أي: ذاك الذي دعانا الله إليه ووصف المؤمنين الصالحين بأنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، هو كلام الله، ومنه كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام، إذ هو شرح وبيان وتفسير له ولا يستغنى عنه.
فمن ترك السنة ترك كتاب الله، ومن ألغى الحديث ألغى كلام الله؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧].
فمن كلام الله طاعة رسولنا وامتثال أمره واجتناب نهيه: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠].
قوله تعالى: (مَثَانِيَ): جمع مثنى، أي: هذه الآيات نزلت مثنى مثنى، يذكر النار وضدها الجنة، ويذكر الخير وضده الشر، ويذكر الإيمان وضده الكفر، يذكر الشيء وضده ليبين للناس الخير من الشر، ولكي تتميز الأشياء، فمن لم يعلم الشر لم يعلم الخير، ومن لم يعلم الكفر لم يعلم الإيمان.
ولذلك يجب على الإنسان أن يعرف الشر ليتجنبه ويبتعد عنه، يحمد الله على أن هداه ووفقه وألهمه للخير الذي هو الإسلام والقرآن، والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
كذلك ذكرت قصص القرآن كقصة موسى مثلاً وكررت في أكثر من سورة، لتحفظ وتؤكد، وكما تقول أمثال العرب: الشيء إذا تكرر تقرر.
فإذا تكرر الشيء أصبح قراراً وإلزاماً، ومن هنا يفيد التكرار في زيادة البيان والوعي والعلم والفهم.