معنى قوله تعالى: (ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله)
قال تعالى: ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٣].
ففي أول مرة تقشعر الجلود، وعندما يذكر الله بوحيه وبوحدانيته وقدرته تلين منهم الجلود وتتفتح، فتزول القشعريرة، وعندها تلين القلوب ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: ٢٨].
فيجد اطمئناناً في قلبه وانشراحاً في صدره وليناً في بدنه وراحة، ولذلك يجب أن نختبر أنفسنا قبل أن نُخْتَبَر، فحينما نسمع القرآن يتلى: هل ننصت إليه؟ هل نفكر في معانيه؟ إذا تلوناه سواء كنا مصلين أو تالين فقط هل تخشع جلودنا له؟ هل تطمئن قلوبنا به؟ هل ينشرح صدورنا لتلاوته؟ إن كان ذلك كذلك فليحمد المسلم ربه على ذلك، لأن فيه صفة صالحة من صفات المسلمين الحقة.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (المؤمن من سرته حسنته وساءته سيئته) فالمسلم إذا عمل عملاً صالحاً تجده يبتهج ويقول: أحمد الله على ما وفقني إليه.
وإذا ارتكب سيئة تجده يتألم على ارتكابه لها، ويندم على ما صدر عنه، إن كان كذلك فهو مسلم حق، يختبر نفسه ولا يختبره غيره.
فقوله: ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٣] أي: تطمئن إليه وتنشرح به.
قال تعالى: (ذَلِكَ) أي: سماع أحسن القصص وسماع أحسن الحديث، أي: سماع تلاوة القرآن فتقشعر منه جلود من المسلمين الذاكرين، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، أولئك الذين وفقهم الله لهذا.
فقوله: ﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [الزمر: ٢٣] ذلك الذي سبق من الآية هو هدى الله الذي يهدي به من يشاء، ورحمته وتوفيقه وإلهامه، فهذه الهداية يهدي الله لها من شاء من خلقه ومن شاء من عباده الصالحين الطيبين.
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر: ٢٣] ومن كان غير ذلك كان قاسي القلب، إذا سمع القرآن لا ينشرح له ولا يتفتح صدره ولا يخشع لذكره ولا يلين قلبه عند تلاوته، هذا ممن أضله الله، ومن أضله الله فلا هادي له.
فهذا قد غير ما بقلبه، إذ كان قلبه منطوياً على غير ذكر الله وعلى غير اليقين في الله وفي دينه، قال تعالى: ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا﴾ [الأنفال: ٧٠] أي: لم يكن في قلب هذا خير فلم يهده الله إلى خير ولم يوفقه له، لما علم من فساد قلبه ومن كذبه على الله.