تفسير قوله تعالى: (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة)
قال تعالى: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الزمر: ٤٥].
وما أشبه اليوم بالأمس، فإن الله يخبر عن هؤلاء الكفرة الجاحدين المشركين بأن من عوائدهم وأخلاقهم أنه إذا ذكر الله وهم يسمعون اشمأزت قلوبهم، كما قال تعالى: ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات: ٣٥].
فقوله: (اشمأزت قلوبهم) أي: نفرت وحاصت حيصة حمر الوحش، واستكبرت وتضايقت وعافت السامع وملته، فلا تريد أن تسمع لله ذكراً، وذاك من كفرها وإصرارها على الكفر؛ ومن عدائها جهلاً وضلالاً؛ لجهلها بالله ومقامه، إذا سمعوا اسم الله تعالى ضاقت نفوسهم ونفرت قلوبهم، واستكبروا على الله ولا يريدون أن يسمعوا لله ذكراً.
قال تعالى: ((وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)) أي: إذا ذكر الأوثان والشركاء، وإذا ذكر من زعم له العلم ممن يسمى فيلسوفاً ومفكراً وعاقلاً ومدبراً، ((إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)) أي: يفرحون، وهذا كما وصف الله به من مضى من الكفار السابقين، ومن عاصر محمداً صلى الله عليه وسلم، ولا تزال هذه الصفة الكاشفة لكل كافر إلى يومنا هذا.
فإنك إذا جئت مجتمعاً فيه كفرة مشركون، تجدهم لا يهابون سيفاً ولا يهابون حاكماً؛ لأن الحاكم من نوعهم، والنائب من جنسهم والزعيم من أشكالهم، فإذا قلت: باسم الله، حاصوا حيصة حمر الوحش وقالوا: لم باسم الله؟! وإذا قلت: الحمد الله، صاحوا في وجهك وقالوا: وما ذكر الله؟! وأعلم وأسمع في بلاد المسلمين أنه يقف الأستاذ الجامعي يحاضر تلاميذه، فيبتدئ درسه بباسم الله، وإذا بهم يقومون في وجهه كالوحوش الكاسرة: لم باسم الله؟! هذه بداية الرجعيين المتخلفين، وإذا ختم الدرس بالحمد الله، حاصوا وجنوا، فإذا قال هذا المتكلم: ماركس وقال: لينين وما إلى ذلك من هذه الأسماء القذرة تطارحوا عليه تطارح الفراش على النار، والأمر كما وصف الله: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الزمر: ٤٥] أي: يفرحون ويعدون ذلك بشرى، وهذا في ديار الإسلام ممن تلاعبت بهم اليهودية والصليبية والإلحاد والنفاق بكل نعوته وصفاته، فأفسدوا العقول، وأضلوا العقائد، وأذلوا البشرية، وأصبحوا أحقر من الحيوانات، بل كما وصفهم الله: ﴿أولئك كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [الأعراف: ١٧٩].
فهذه هي الصفة التي وصفهم بها خالقهم، ولذلك فهم الرجعيون حقاً والمتخلفون حقاً، فآباؤهم وأجدادهم وأولياؤهم من الكفار السابقين، هم الذين اتصفوا بهذه الصفات، ينفرون إذا سمعوا ذكر الله، ويحصل لهم اشمئزاز في النفوس والقلوب، ويستكبرون في أنفسهم ويقولون: دعنا من ذكر اسم الله.
وأعلم شخصاً هلك قريباً، كان وزيراً كاتباً وابن رجل صالح، جاءني يوماً بمقال قال لي: ألا ترى؟ كتبت عدة أوراق ولم أذكر اسم الله قط، وأنت تكتب ولا يكاد يمر سطر إلا وفيه باسم الله، والحمد الله، وإن شاء الله، وإذا أراد الله، فقلت له: (تلك شكاة ظاهر عنك عارها!) وهلك قريباً، ولا أدري على أي حال هلك، وإن كان من بيت كريم ينتسب للشرف والعلم والصلاح، ولكن الشيطان -ونعوذ بالله من وساوس الشيطان- إذا عادى عالماً، وعادى صالحاً، وعجز عن الإضرار به وإفساده طمع في أن يصل إلى أولاده، فنعوذ بالله أن يقدره علينا أو على أولادنا أو على أسباطنا.
فقوله تعالى: ((وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)) أي: من دون الله، وهذه صفة هؤلاء الأوساخ ممن ينتسبون للبشر، هذه صفتهم القديمة والمحدثة، ومن عجيب الأمر أن يقولوا مثل هذا ويجاهروا به مع قلة أدبهم وقلة حيائهم مع الأساتذة وقت محاضراتهم، ولا يجد هؤلاء رادعاً من الدولة، لا من كبيرها ولا من وزراءها، ولا من حكامها، فكلهم يؤيدون الكفر ويشجعونه، وينافحون عنه، فلو قام هذا، ولطم هذا، وطرد هذا لقامت عليه الدنيا: أنت محدث أو جبار.
أما أن يسمع ذكر الله بسوء، ويسمع الإعلان بالكفر بالله والاشمئزاز من ذكره، فيقولون له: تلك حرية، تلك أشياء شخصية لا دخل لك فيها؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله! كل هذا في هذا الوقت السوء، في هذا العصر عصر الشيطان واليهود، وعصر الصليبية والنفاق بكل أشكاله، أعاذنا الله والمسلمين جميعاً منه، ومن وساوس إبليس.


الصفحة التالية
Icon