تفسير قوله تعالى: (بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها)
قال تعالى: ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٥٩].
يقول لهؤلاء الذين ماتوا على الكفر والشرك وهم في العذاب يتمنون لو أتاهم هادٍ أو كتاب هداية ليكونوا من المتقين، ويتمنون لو أنهم عادوا للدنيا وأحسنوا وأطاعوا وعبدوا، فقال الله لهم جميعاً: ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي﴾ [الزمر: ٥٩]، أي: جاءتك علامات قدرتي، وأرسلت لكم رسلاً يبشرون وينذرون فعلموكم وأرشدوكم وهدوكم وأبيتم هدايتهم؛ وأخذتم تكذبونهم وتكفرون بهم، وأخذتم تهزئون بهم وبأتباعهم.
فقوله: ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي﴾ [الزمر: ٥٩]، أي: علامات ودلائل ومعجزات صدق الأنبياء.
قوله: ﴿فَكَذَّبْتَ بِهَا﴾ [الزمر: ٥٩] أي: لم تصدقها.
قوله: ﴿وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٥٩]، كما قال تعالى: ﴿إنهم كانوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات: ٣٥] أي: استكبروا عن الإيمان والإسلام بكلامهم وبجهدهم الباطل، فتكبروا على رسل الله، وعلى ورثتهم من العلماء والدعاة والهادين إلى الله؛ قال تعالى: ﴿وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٥٩].
فيا أيها المتحذلق المتألي، هأنت تتمنى الهداية وقد جاءتك، تتمنى أن تعود للدنيا لتعمل وقد كنت فيها ولم تعمل، ولو عدت إلى الدنيا لرجعت إلى ما نهيت عنه، ولعدت للكبر، فالنفس الخبيثة تأبى إلا أن تفعل الشر، والنفس الكافرة تأبى إلا الدوام على الكفر.
فما دام الكافر لم يؤمن في دار الدنيا فهو في الآخرة لن ينفعه الإيمان، لأن نفسه لم تكسب في إيمانها خيراً، قد سبقه الزمن والوقت، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
فقوله: (وكنت من الكافرين)، أي: كنت من الكافرين بالرسل وبالكتب وبالأوامر والنواهي، وفي الصحيح عن رسول الله ﷺ يقول: (يأتي المتكبرون يوم القيامة كالذر في صور بني آدم يدوسهم الناس بأقدامهم)، قد جمعوا كالذر الصغار، نتيجة تعاليهم على الحق وعلى أهله، فيكونون كالذر حقارةً وصغاراً.


الصفحة التالية
Icon