تفسير قوله تعالى: (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين)
قال تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [غافر: ١١].
أخذوا يتوددون ويتمنون أن تعاد لهم حياتهم في الدنيا؛ ليطيعوا ويعبدوا، ولكن هيهات هيهات، فقالوا: يا ربنا! أنت الحاكم العدل، والحجة البالغة لك، فنعترف بذلك، ((أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ)) أي: الموت الأول هو العدم قبل الخروج إلى دار الدنيا، حيث كنا في العدم، وحيث كان لا وجود لنا، حيث كنا ذراً في أصلاب آبائنا، وفي صلب أبينا الأول آدم عليه السلام، فكان ذلك عدماً وموتاً، فتلك الموتة الأولى.
وكانت الموتة الثانية عندما خرجوا للوجود ودعوا للإيمان بالله، وبرسله وبكتبه ثم ماتوا الموتة الثانية، فهم قد اعترفوا إن الله هو القادر على كل شيء، وأنه أخردهم من العدم للوجود، ثم أماتهم الموتة الثانية بعد الوجود.
قالوا: ((فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا)) يا ربنا قد اعترفنا أنك القادر على كل شيء، فلا شريك لك ولا ند، وأنت وحدك الذي أحييتنا بعد عدم، ثم أحييتنا بعد وجود، فهي حياتان، ثم أنت -جل جلالك- أمتنا يوم لم نكن، ثم أمتنا بعد أن كنا، فنحن قد اعترفنا بوحدانيتك وبربوبيتك، واعترفنا بذنوبنا ومعاصينا.
((فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ)).
تلك كانت مقدمة يرجون بها ربهم؛ فهل يمكن بعد ذلك الإيمان والاعتراف وقد فات زمنه، هل يمكن أن يرجعوا مرة ثانية إلى دار الدنيا؛ ليعبدوا وليوحدوا وليطيعوا؟ هيهات هيهات، وإلى أين يرجعون؟ فالدنيا انتهت وفنيت، والأنبياء فد أدوا مهماتهم وقاموا بوظائفهم، فمن الذي سيدعوهم من جديد، فهم إذاً يتمنون الأماني الباطلة، ويتمنون ما لا يكون.
(فهل إلى خروج من سبيل) أي: فهل إلى مرد ورجوع وخروج من النار، والعودة إلى الدنيا سبيل؟ فهم يستفهمون،
و ﷺ لا عودة ولا رجعة أبداً إلى الدنيا.


الصفحة التالية
Icon