تفسير قوله تعالى: (فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون)
قال تعالى: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: ١٤].
يدعونا ربنا إلى طاعته، وإلى الإنابة إليه، وإلى العودة إليه من ذنوبنا ومن معاصينا، وأن نستغفره ونتوب إليه؛ لنكون محل دعوات الملائكة عندما يستغفرون الله لنا، وعندما يدعون الله لنا، بأن نكون في اجتماع آبائنا أولادنا وأزواجنا، ليرفع الوضيع إلى حيث الرفيع في أعلى الدرجات، ولن يكون هذا إلا إذا دعونا الله مخلصين له الدين.
((فَادْعُوا اللَّهَ)) أي: فاعبدوا واشكروا ووحدوا الله.
((مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)) مخلصين طاعتكم وعبادتكم له، بلا رياء ولا سمعة ولا شريك ولا ند ولا مثيل، فالله وحده هو القادر الخالق الرازق المحيي المميت، فيجب أن تنحصر عبادتنا له وحده، فلا نشوبها برياء ولا بتسميع فضلاً عن أنواع الشرك الأخرى.
((فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)) أي: تفرغوا لعبادة الله وحده، على أن يكون الدين الخالص لله لا لأحد معه لا لثناء ولا لجزاء من غيره، فالله وحده هو الذي يجزي، والله وحده هو المثيب.
((وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ))، يقول تعالى هذا للمؤمنين عندما يكفر الكفرة بدعوتهم، وعندما يبقون ثابتين ثبوت الجبال، وراسخين رسوخ الراسيات على دينهم، فلا يهتمون بكفر كافر، ولا بنفاق منافق.
ولذلك نجد الكثيرين في عصرنا ممن يخجل من إظهار صلاته، ويجامل الكافرين، فيخفي صلاته وعبادته، فهو لا يملك القوة القلبية ولا الجرأة النفسية ليعلن دينه حيث كان.
والمسلمون مطالبون إذا كانوا مارين في بلاد الكفر بإعلان الأذان جهاراً، ثم تقام الصلاة جهاراً، ثم يقوم المسلمون فيصلون ولا يلتفتون إلى غيرهم من الكافرين.
وذاك مما يحزن الكافرين والمنافقين، ونحن عندنا من الإخلاص لله أن نعلن عبادتنا.
ومن أشد ما يؤلمهم ويسيء نفوسهم أن تأتي في مجتمعاتهم وتعلن طاعتك وتعلن عبادته، وتعلن شعار إيمانك: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهكذا يدعونا الله فيقول: (فادعوا الله مخلصين له الدين)، فتمحضون دينكم له بلا رياء ولا سمعة، ولا ند ولا شريك.
((وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)) أي: لا عليكم في كراهيتهم إن كرهوكم، فالله يحب ذلك منكم، ويجازيكم عليه، ويدخلكم جناته، ويخلفكم بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وعن عبد الله بن الزبير -كما في صحيح مسلم وبقية الصحاح والسنن- أن النبي ﷺ كان يقول في دبر كل صلاة -أي: عقب كل فريضة ينتهي منها-: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، له المجد وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرين).
((وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)) وإلى جهنم وبئس المصير.
ومن بركات الأذان للصلاة: أن المسلم عندما يعلن صلاته يكون ساعة إعلانه لها داعية إلى الله بعمله قبل قوله، ففي أرض سويسرا نزلت طائرة حجاج آتية من أرض السنغال، فنزل هناك الركاب وعليهم الثياب البيض وهم محرمون، فبادروا إلى الماء فتوضئوا وتقدمهم أحدهم فأذن أعلن الأذان، ثم تقدم إمام وأخذ يصلي، فكان النصارى ينظرون إلى ما لم تره أعينهم من قبل، إلى أن انتهوا من الصلاة، فجاء واحد منهم وكان طبيباً، وسأل هذا الإمام: ماذا تصنعون؟ وشعب سويسرا يتكلمون بالفرنسية، فقال: نصلي، قال: ما الصلاة؟ قال: ما رأيتم، قال: لم هذا الترتيب العسكري؟ فهناك واحد يصلون بصلاته، ويركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، قال: هكذا أمرنا الله، فصلاتنا وعبادتنا وديننا نظامي لا يقبل الفوضى في شيء من الأشياء، قال: ولم صليتم في هذه الجهة ولم تصلوا في الأخرى؟ قالوا: نستقبل الكعبة، فهي مكان اتجاه المسلمين في الأرض كلها.
فواصلت الطائرة رحلتها، وبعد ذلك أسلم هذا الطبيب وبحث عن كتب إسلامية وأسلم على يديه آلاف من أهل بلده، والآن في سويسرا مساجد ومعابد ومدارس ومؤمنون موحدون، وكان سبب إسلامهم وإيمانهم هذه الصلاة المعلنة من هؤلاء السود وقد جاءوا من السنغال، ولم يكن يخطر لهم ببال يوماً أن يكونوا دعاة إلى الله.


الصفحة التالية
Icon